9/02/2011

طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين الجزء الثاني

طريق الناجين

في بيان عقيدة الموحدين



الجزء الأول



تأليف

سرحان بن غزاي العتيبي







بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه المرجع والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً وبشيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فصلوات الله وسلامه عليه إلى يوم قيام الأبدان وعلى آله وصحبه الكرام وسلم تسليماً كثيراً                                  أما بعد /

فإن العقيدة الصحيحة هي طريق النجاة ومفتاح الوصول إلى دار السلام فلا يمكن أن يدخل الجنة من فسدت عقيدته وقرنها بالشرك أو كان منافقاً يظهر الإيمان ويبطن الكفر أو ارتكب ناقضاً من نواقض العقيدة ، فلذا كان لزاماً على من أراد الوصول إلى دار السلام وحسن المقام عند الملك العلام أن يتعلم العقيدة الصحيحة فيعمل بها ويدع ما خالفها ، ولمَّا كانت العقيدة الإسلامية هي العقيدة التي لا يقبل الله من أحدٍ بعدها غيرها كما قال تعالى{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85) سورة آل عمران لذا ينبغي معرفتها حق المعرفة والإيمان بها واتباعها 0

ولمَّا رأيت أن المؤلفين في العقائد قد تبحر كلٌ منهم في جانبٍ من جوانب هذا العلم فمنهم من كتب في جانب التوحيد والشرك ومنهم من صنف في الإيمان والكفر ومنهم من أفرد الأسماء والصفات  ومنهم من كتب في القدر ومنهم من كتب في أشراط الساعة ومنهم من كتب في الولاء والبراء ومنهم من كتب في بيان عقيدةٍ من العقائد الضالة والرد عليها إلى غير ذلك 0 فأحببت أن أجمع مختصر هذه العلوم في كتابٍ واحد حتى يسهل على طالب العلم معرفة هذه الفنون بأسهل أمرٍ وأقرب طريق ثم من أراد التبحر بعد ذلك في جانبٍ من الجوانب سهل عليه ذلك لأنه قد ألم بأهم ما في هذا الجانب ، وكذلك تيسيراً على من أراد شرح مختصرٍ من المختصرات التي جمعت هذه الفنون دون توضيحٍ كاف فيكفيه هذا الكتاب  عناء البحث في المطولات أو جمع أقوال الشراح  وما ذاك إلا تيسيراً للدعاة لنشر هذا العلم الذي هو أول دعوة الرسل وأول واجبٍ على المكلفين ، فنسأل الله أن ينفع به وأن يعيننا على إتمامه إنه جوادٌ كريم 0



((  أهمية معرفة العقيدة الصحيحة ))



1-أن العقيدة الصحيحة هي مفتاح قبول الأعمال فلا يقبل عمل أحدٍ كائناً من كان حتى يعتقد العقيدة الصحيحة الخالية من الشرك والكفر ألا وهي عقيدة الإسلام كما قال تعالى عن الكفار {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} (23) سورة الفرقان وقال تعالى عن المنافقين {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} (54) سورة التوبة وقال تعالى لمن عداهم {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} (66) سورة الزمر 0



2-أن تعلم العقيدة الصحيحة ومعرفتها سلامةٌ بإذن الله من الزيغ والإنحراف وراء أهل الأهواء والمبتدعة والضلال ، وذلك لأن الإنسان قد يقابل في حياته خلقاً من أهل الضلالة والإنحراف وكثيرٌ منهم لديه حججٌ شيطانية وشبهٌ إبليسية وأفكارٌ مضلة فإذا صادفت هذه الشبه قلباً خالياً من العلم فربما تلبَّس بها ووقع فيها يظنها حقاً لجهله وقلة علمه ولذلك كان لزاماً على من أراد نجاة نفسه ونجاة من يعول من أبناءه ونساءه أن يتعلم العقيدة الصحيحة ويعلمها لهم خاصةً في هذا الزمن الذي سهل فيه على هؤلاء الضلَّال الإتصال بالناس من خلال وسائل الإعلام كالقنوات الفضائية والراديو والأنترنت وغيرها 0



3 –أن معرفة العقيدة السليمة تزيد الإيمان في قلب المؤمن حين يعلم عظمة الرب جل وعلا وقدرته من خلال أسمائه الحسنى وصفاته العلا ويعرف فضل ربه عليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب ويعرف ما يجب عليه من حق الله عز وجل ويعرف ما يكون في المستقبل من أمور الساعة فيستعد لها ويحذر منها ونحو ذلك 0













المدخل

إلى علم العقيدة





















((  أهم المصطلحات في علم العقيدة  ))

العقيدة لغة / مأخوذة من العقد وهو الشد والربط بإحكام

اصطلاحاً / العقيدة هي الأسس التي يقوم عليها الدين.

الهدى لغة / الدلالة والبيان

واصطلاحاً / ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

و ينقسم الهدى  إلى قسمين :

1-هدى دلالة وبيان وهو الذي يقدر عليه الرسل وأتباعهم ودليله قوله تعالى { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } (7) سورة الرعد وقوله تعالى{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (52) سورة الشورى وقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) متفق عليه

2- هدى التوفيق والإلهام وهو الذي لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وهو المذكور في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (56) سورة القصص وقوله {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء } (272) سورة البقرة وقوله {إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} (37) سورة النحل

الدين /جميع ما شرعه الله من الأحكام وله معانٍ أُخر كالحساب وغيره

وأركانه ثلاثة ( الإيمان والإسلام والإحسان )

السلف / معناها الذين سلفوا ومضوا من القدوات . فسلف الأمة هم صدر هذه الأمة
من الصحابة التابعين وأئمة الهدى في القرون الثلاثة الفاضلة

 الصراط المستقيم/  قيل إنه القرآن وقيل الرسول صلى الله عليه وسلم وقيل الإسلام وقيل هو الطريق الذي نصبه الله لعباده على ألسنة رسله وجعله موصلاً لعباده إليه ولا طريق لهم سواء وهو إفراده بالعبودية وإفراد رسله بالطاعة وهو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وهو الهدى ودين الحق وهو معرفة ما بعث الله به رسله والقيام به 0

الصدِّيق / هو الذي صدق في قوله وفعله الكثير الصدق المصدق بما جاء به الرسل من غير تباطؤ 0

الشهيد/ كل من عدهم النبي صلى الله عليه وسلم من الشهداء فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما تعدون الشهيد فيكم ؟ قالوا يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد قال ( إن شهداء أمتي إذاً لقليل من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في الطاعون فهو شهيد ومن مات في البطن فهو شهيد ) رواه مسلم .  وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله ) متفق عليه  وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله المبطون شهيد والغريق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمطعون شهيد وصاحب الحريق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمع شهيد ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وعند أحمد ( والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة ) حسنه الألباني 0 

الأبدال / قيل هم الأولياء والعباد وقيل هم الذين يجددون الدين يخلف بعضهم بعضاً في الذب عنه كما في الحديث ( يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دنيها ) فكأنه يتبدل بعضهم ببعض والله تعالى أعلم ، وقد رأيت الأحاديث التي فيها ذكر الأبدال قد ضعفها الإمام الألباني رحمه الله كحديث ( إن أبدال أمتي لم يدخلوا الجنة بالأعمال ولكن إنما دخلوها برحمة الله وسخاوة الأنفس وسلامة الصدور ورحمة لجميع المسلمين )   قال الألباني ضعيف جداً انظر حديث رقم: 1356 في ضعيف الجامع.‌ وحديث (يكون اختلافٌ عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة فيأتيه أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعثٌ من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه ثم ينشو رجلٌ من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ) ‌ضعفه الألباني انظر حديث رقم: 6439 في ضعيف الجامع.‌ وحديث (علامة أبدال أمتي أنهم لا يلعنون شيئا أبداً ) قال الألباني : موضوع انظر حديث رقم: 3720 في ضعيف الجامع.‌

الأئمة / هم العلماء المقتدى بهم قال تعالى{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (24) سورة السجدة قال بعض العلماء بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين 0

السنة / لغة الطريقة 0

وشرعاً / أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وإقراراته 0

وأهل السنة والجماعة / هم الذين اجتمعوا على الأخذ بكتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم باطنًا وظاهرًا في الاعتقادات والأقوال والأعمال ونُسبوا إليها لتمسكهم بها دون الطرق الأخرى المنحرفة ، ووصفوا بالجماعة لأنهم التزموا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة ولأنهم اجتمعوا على الحق وأجمعوا عليه واجتمعوا على ما عليه سلف الأمة ولذا يسمون السلف ويسمون الطائفة المنصورة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تزال طائفةٌ من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ) رواه الترمذي وصححه الألباني وهو عند مسلم بلفظ ( لا تزال طائفةٌ من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ) ويسمون أهل الحديث لأنهم العاملون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية ويسمون أهل الأثر لأنهم على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أثر السلف الصالح ويسمون الفرقة الناجية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة ) رواه أبو داود وبن ماجة وغيرهما وصححه الألباني

والذين خالفوا السنة ولم يخرجوا من الملة يسمون أهل الأهواء وأهل الافتراق وأهل البدع  والفرق المفارقة لأنهم اتبعوا السبل التي نهى الله عنها ونهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يخرجون من مسمى الإسلام لكنهم لا يسمون أهل السنة والجماعة 0

وأهل القبلة /  هم من يدَّعون الإسلام حتى من ارتكب الكبائر والفواحش التي دون الكفر والشرك كالزنا والسرقة والقتل ، أو حتى من ارتكب بدعاً ما دامت لا تخرجه من الملة فهو من أهل القبلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته ) رواه البخاري

الفاسق / كل من ارتكب كبيرةً أو أصر على صغيرة ويسمى عاصياً وفاسقاً، وهو كسائر المؤمنين  لا يخرج من الإيمان بمعصيته ولا يسلب عنه الإيمان بالكلية بل يقال مؤمنٌ ناقص الإيمان أو يقال مؤمنٌ بإيمانه فاسقٌ بكبيرته أو يقال مؤمنٌ عاصي ونحو ذلك وليس بكافر خلافاً للخوارج ولا في منـزلةٍ بين منـزلتين خلافاً للمعتزلة. وحكمه في الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وأدخله الجنة وإن شاء عذبه بقدر ذنبه ومصيره إلى الجنة وعند الخوارج والمعتزلة وغيرهم من الوعيدية  من أتى كبيرةً ومات من غير توبة فهو في النار خالداً مخلداً فيها وسيأتي الرد عليهم إن شاء الله مفصلاً في كتاب الإيمان والكفر 0

الفسوق / الخروج عن طاعة الله وارتكاب محارمه 0

الكبيرة / هي كل ذنب توعد عليه بالنار، أو اللعنة، أو الغضب في الآخرة كقوله تعالى{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء أو ترتب عليه حدٌ في الدنيا كقوله تعالى{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (38) سورة المائدة  وقوله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } (2) سورة النــور أو نفي عن صاحبه الإيمان كقوله صلى الله عليه وسلم ( والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن . قيل من يا رسول الله ؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه ) متفق عليه أو قيل فيه ليس منا مثل قوله صلى الله عليه وسلم ( من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا ) رواه مسلم أو برئ منه النبي صلى الله عليه وسلم كقوله ( أنا بريءٌ من كل مسلمٍ يقيم بين أظهر المشركين ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني انظر حديث رقم: 1461 في صحيح الجامع.‌ وكقوله  صلى الله عليه وسلم ( يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وتراً أو استنجى برجيع دابةٍ أو عظم فإن محمدا بريء منه ) رواه أبو داود وصححه الألباني   ونحو ذلك ويمكن أن يضاف إلى ذلك ترك الواجبات والفرائض عند من لا يرى تركها كفر 0

الصغائر / هي كل ذنبٍ دون الكبيرة كالبصاق في المسجد والبيع فيه وإنشاد الضالة  فيه ونحو ذلك فهذه تكفرها الأعمال الصالحة قال تعالى{إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} (31) سورة النساء قال تعالى{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ } (32) سورة النجم قال حذيفة رضي الله عنه ( فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصوم والحج والزكاة ) رواه بن ماجة وصححه الألباني ولكن ينبغي الحذر من الإصرار على الصغائر فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على المرء حتى يهلكنه ) رواه أحمد والطبراني وحسنه الألباني انظر حديث رقم ( 2687 ) في صحيح الجامع قال العلماء : الإصرار على الصغائر يحيلها إلى كبائر 0 وقالوا : لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمت من عصيت وهو الله جل في علاه 0  وقد اتفق الفقهاء على أن الكبائر لايكفرها إلا التوبة منها واختلفوا فيمن أقيم عليه الحد هل يكون كفارةً له فالذي رجحه العثيمين وغيره أنه يكون كفارة والله تعالى أعلم 0

الكفر / هو التغطية لأن الكافر قد غطى وجحد نعمة الله عليه 0

الشرك / التسوية والمقارنة وذلك لأن المشركين يجعلون مع الله شريكاً يسوونه به في العبادة ، وأما من لا يعبد الله مطلقاً ولا يعترف به فذلك ملحدٌ 0

النفاق / أن يظهر الإيمان ويبطن الكفر0

الظلم / سلب الحق وإعطاءه للغير 0

والكفر والشرك والفسق والنفاق والظلم الوارد في نصوص الوحيين نوعان :

الأول / أصغر لا يخرج من الملة ولا يخلد صاحبه في النار إن دخلها 0

الثاني / أكبر مخرجٌ من الملة ويخلد صاحبه في النار 0

فمثال الكفر الأصغر قول النبي صلى الله عليه وسلم (اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في الأنساب والنياحة على الميت ) رواه مسلم

ومثال الكفر الأكبر  قول النبي صلى الله عليه وسلم ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني انظر حديث رقم (4143) في صحيح الجامع

ومثال الشرك الأصغر الرياء قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء يقول الله يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ) رواه أحمد وصححه الألباني انظر حديث رقم( 1555) في صحيح الجامع.‌

ومثال الشرك الأكبر اتخاذ الشفعاء عند الله قال تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (18) سورة يونس

ومثال الفسق الأصغر ارتكاب الكبائر التي دون الشرك والكفر الأكبر كالزنا والربا وأكل مال اليتيم ونحو ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) متفق عليه ومراده الفسق الأصغر والكفر الأصغر إذ جاء في النصوص ما يدل على أن فاعل هذين العملين لا يخرج من الإسلام 0

ومثال الفسق الأكبر قوله تعالى {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} (5) سورة الحشر أي اليهود لأنهم خرجوا عن طاعة الرحمن إلى طاعة الهوى والشيطان ووقعوا في الكفر الأكبر فسموا فساقاً لذلك لكن ليس هو كفسق عصاة الموحدين فهؤلاء فسقهم فسقٌ أكبر مخرجٌ من الملة وأما الموحدين ففسقهم دون ذلك 0

ومثال النفاق الأصغر ارتكاب بعض أنواع النفاق العملي كالكذب والخيانة وإخلاف الوعد لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) متفق عليه

ومثال النفاق الأكبر النفاق الإعتقادي وهو إظهار الإيمان وابطان الكفر الأكبر 0

ومثال الظلم الأصغر قوله تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (32) سورة فاطر أي ظالمٌ لنفسه بالمعاصي حين أوقعها فيما فيه عذابها وخسرانها 0

ومثال الظلم الأكبر قوله تعالى{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (13) سورة لقمان



((  أصناف أهل البدع  ))

ينقسم أهل البدع إلى طوائف وأحزاب ومذاهب متعددة ويمكن تصنيفهم على النحو التالي :

الصنف الأول / المبتدعة في باب الإيمان والكفر وينقسمون إلى وعيدية ومرجئة 0

1- الوعيدية / وهم طائفتان : الخوارج ويرون أن صاحب الكبيرة كافرٌ وليس بمؤمن وأنه مخلدٌ في النار ، والمعتزلة : ويرون أنه مخلدٌ في النار لا كن ليس بكافر بل هو في منزلةٍ بين الإيمان والكفر غير أنها لا تنفعه عندهم في الآخرة 0

2-المرجئة / ويرون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وعليه فإن المؤمن لا يدخل النار ولو ارتكب الفواحش والمنكرات وإيمانه كإيمان أفضل الناس لا فرق 0

ومحل الضلالة عند الفريقين / أنهم جعلوا الإيمان جزءاً واحداً لا يزيد ولا ينقص فإما أن يكون مؤمناً كامل الإيمان وإما أن يكون كافراً ، فلمَّا رأى الوعيدية أدلة الوعيد وأن صاحب الكبائر يدخل النار قالوا إذن ليس بمؤمن إذ لو كان مؤمناً لما دخلها كسائر المؤمنين إذ الإيمان واحد ، والمرجئة رأوا أدلة الرجاء وأن الله يغفر الذنوب التي دون الشرك قالوا إذن هو مؤمن كسائر المؤمنين فلا يدخل النار مثلهم إذ الإيمان واحد 0



وقال أهل الحق / ليس الإيمان واحد بل هو متفاوت يزيد وينقص وعليه فإن صاحب الكبيرة مؤمنٌ ناقص الإيمان ومصيره في الآخرة أنه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه بقدر ذنوبه وإن شاء غفر له ومآله إلى الجنة فلا يخلد في النار 0



الصنف الثاني / في باب الأسماء الصفات وينقسمون إلى ممثلة ومعطلة 0

1- الممثلة أو المشبهه وهم الذين يشبهون صفات الرب بصفات المخلوقين وقد كان منهم الروافض فأول من قال بالتمثيل هو الرافضي هشام بن الحكم ثم تحول الرافضة إلى معطلة 0

2- المعطلة وهم طوائف شتى منهم من يعطل الأسماء والصفات كالجهمية ومنهم من يعطل الصفات دون الأسماء كالمعتزلة ومنهم من يثبت بعض الصفات ويعطل بعضها كالأشاعرة ، وفتنتهم جميعاً أنهم رأوا أن في الإثبات تمثيلاً ففروا من ذلك إلى التعطيل 0

ومذهب أهل الحق / إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من غير تمثيلٍ ولا تعطيل ومن غير تكييفٍ ولا تأويل فقد قال تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى فقوله (( ليس كمثله شيء )) ردٌ على الممثلة وقوله (( وهو السميع البصير )) ردٌ على المعطلة ، ولا يستلزم الإثبات التمثيل فإننا نثبت مثلاً للنملة يد فلا يقتضي ذلك أن تكون مثل يد الفيل فهذا بين المخلوقات فكيف بين الخالق والمخلوق 0



الصنف الثالث / في باب الصحابة وينقسمون إلى غالين وقالين

1-القالين : وهم الروافض وهؤلاء يبغضون الصحابة ويكفرونهم ويرون أنهم ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم من أهل النار 0

2- الغالين : وهم طوائف من الصوفية وغيرهم ويرون جواز الاستشفاع والتوسط بالصحابة عند الله ، ويتقربون إليهم بالقرابين والنذور وأصناف الشركيات عند قبورهم 0



ومذهب أهل الحق / محبة الصحابة وموالاتهم والذب عنهم وبغض من يبغضهم ، لكن من غير غلوٍ فيهم فلا يصرف لهم مما هو من محض حق الله شيء 0



الصنف الرابع / في باب آل البيت وينقسمون إلى غالين وقالين

1- الغالين : وهم الروافض وطوائف من الصوفية وغيرهم ويرون جواز الاستشفاع والتوسط بهم عند الله ويتقربون إليهم بالقرابين والنذور وأصناف الشركيات عند قبورهم 0

القالين : وهم النواصب الذين نصبوا العداء والبغض لآل البيت 0



ومذهب أهل الحق / محبة آل البيت وموالاتهم والذب عنهم وبغض من يبغضهم ، لكن من غير غلوٍ فيهم فلا يصرف لهم مما هو من محض حق الله شيء 0



الصنف الخامس / في باب القدر وينقسمون إلى قدرية وجبرية :

1- القدرية : وهم الذين يقولون لا قدر والأمر أنف أي مستأنف أي جديد ليس مكتوباً في اللوح المحفوظ  والإنسان يخلق فعله من غير مشيئة الله ولا إرادته ، وقد كان أوائلهم أيضاً ينكرون علم الله السابق ويقولون إن الله لا يعلمه حتى يفعله العبد ، ثم لمَّا رأوا أن هذا القول ممقوت قالوا : يعلمه ولكن لم يقدره 0

والحقيقة أنهم مخصومون بقولهم هذا وقد كان السلف يقولون ( ناظروهم بالعلم فإن انكروه كفروا وإن أقروا به خصموا ) لأنه إذا علمه فقد شاءه وقدَّر أن يكون فيبطل مذهبهم ، وإذا قالوا لا يعلمه فقد نسبوا لله الجهل وذلك غاية الضلال والكفر 0



2- الجبرية : ويقولون إنه ليس للإنسان مشيئة بل هو مجبور ، وكل ما يفعله ويقع عليه فهو بقضاءٍ وقدر ليس له فيه أي اختيار بل هو كالريشة في مهب الريح 0 وهؤلاء خالفوا العقل كما خالفوا النقل فإن الإنسان يدرك أنه يفعل الشيء بإرادته من غير إجبار أحد 0



وقال أهل المعتقد الصحيح / إن للعبد مشيئة وإرادة لكنها تابعة لمشيئة الله وإرادته كما قال تعالى{لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (29) سورة التكوير

فقد كتب الله مقادير كل شيء ، ويسر الإنسان لفعل ما قدر له ، فلا يفعل الإنسان شيئاً إلا وهو مقدرٌ مكتوبٌ عليه قد شاءه الله عليه ، لكن هذا لا يعني أن الإنسان مجبور بل هو يفعل بإرادته ومشيئته واختياره من غير إجبار لكن هذه المشيئة والإرادة تابعةٌ لمشيئة الله فقد علم الله أنه سيفعل كذا فشاءه له ولو شاء لمنعه فمشيئة العبد تابعةٌ لمشيئة الله 0





((  تاريخ ظهور البدع  ))

أول بدعةٍ ظهرت في الإسلام هي بدعة الخوارج  فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال يا رسول الله اعدل فقال ( ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل ) فقال عمر له ائذن لي أضرب عنقه فقال دعه ( فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله إلى رصافه إلى نضيه وهو قدحه إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجلٌ أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقةٍ من الناس ) قال أبو سعيد أشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته . متفق عليه ومن بدعهم تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم وتكفير الصحابة الذين حدثت بينهم الفتنة كعليٍ ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم والخوارج لا يقبلون السنة ويفسرون القران على أهوائهم ويرون كفر مرتكب الكبيرة وأنه مخلدٌ في النار ، وكان خروجهم زمن عليٍ رضي الله عنه فقاتلهم في النهروان وانتصر عليهم فتفرقوا ومن فرقهم الموجودة في هذا العصر فرقة الإباضية في عمان وغيرها 0



ثم ظهرت بدعة الرافضة في عهد الخلفاء الراشدين على يد عبد الله بن سبأ الذي يُدعى بن السوداء وكان يهودياً من أهل اليمن قدم المدينة زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه وأظهر الإسلام نفاقاً ليهدم الإسلام من الداخل وأظهر التشيع لآل البيت ومناصرة عليٍ رضي الله عنه وتبعه على ذلك قومٌ من الفرس وغيرهم وسعوا في قتل عثمان وتفريق الأمة لكن علياً رضي الله عنه حاربهم وأحرق من أمسكه منهم بالنار وفرَّ من فرَّ منهم إلى بلاد فارس ونشروا المذهب خفيةً لكنه لم يظهر حتى زمن المختار بن عبيد الثقفي الذي ادعى أنه يطالب بدم الحسين والثأر له وتبعه على ذلك أقوام واستولى على أكثر مدن العراق وسبب خروجه كما قيل لما انهزم التوابين الذين يطالبون بدم الحسين بقيادة سليمان بن صرد وكانوا من أهل السنة ندموا على عدم نصرتهم للحسين فخرجوا على الدولة الأموية فهُزِموا وقتل قائدهم سليمان بن صرد رضي الله عنه وكان صحابياً جليلاً فانتهز المختار هذه الفرصة وقال أنا الذي أطالب بدم الحسين وتبعه قومٌ ظنوا أنه صادق وإنما كان يريد الإمارة وقتل جمعاً ممن شاركوا في قتل الحسين فزادت شعبيته وكثر أنصاره فاستولى على الكوفة وأكثر أجزاء العراق ولما استقر له الأمر ادعى النبوة وأظهر أموراً منكرة فنفر منه الناس وأرسل عبد الله بن الزبير أخاه مصعب لقتاله فقتله مصعب سنة 67هـ فتفرق الشيعة أحزاباً وفرقاً ، ومن أشهر فرقهم الجعفرية والإسماعيلية والزيدية وغيرها ويعتقدون جميعاً سوى الزيدية كفر الصحابة وأنهم ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ويلعنون أبا بكر وعمر وعثمان ويرون أنهم اغتصبوا الخلافة من علي التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم له بها ومن معتقداتهم القول على الله بالبداء والقول بتحريف القران ولا يقبلون السنة ويقولون بعصمة الأئمة ويغلون فيهم غلاءً فاحشاً حتى قالوا إنهم يعلمون الغيب ويدبرون الكون ويصرفون لهم أنواعاً من العبادات كالذبح والنذر والسجود وغيرها وهم قدرية معطلة وبالجملة فهم شر طوائف المبتدعة حتى قيل إنهم شرٌ من اليهود والنصارى قال القحطاني في نونيته :

لا تعتقد دين الروافض إنهم     شر البرية شيعة الشيطان



ثم ظهرت القدرية في آخر عهد الصحابة فنفوا العلم والقدر وقالوا الأمر أنف والله لا يعلم الأشياء قبل وقوعها ، وأول من أظهر القول بالقدر معبد الجهني وقيل إنه أخذه عن رجلٍ نصرانيٍ أسلم ثم رجع إلى نصرانيته اسمه سوسن ، وأخذ عن معبد غيلان الدمشقي الذي قتله هشام بن عبد الملك الأموي سنة 105هـ وقد أنكر هذا القول من الصحابة عبد الله بن عمر وعبادة بن الصامت وغيرهم رضي الله عنهم وروى مسلم عن يحي بن يعمر قال : كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر ، فوفِقَ لنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما داخلاً المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليَّ فقلت : أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناسٌ يقرؤون القران ويتقفرون العلم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف 0 قال بن عمر : فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريءٌ منهم وأنهم براء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحدٍ ذهباً فأنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر 0





ثم ظهرت بدعة الإرجاء في آخر القرن الأول وقالوا لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وأول من قال بالإرجاء هو الجهم بن صفوان عليه من الله ما يستحق فإنه أحدث في الإسلام ثلاث بدعٍ عظيمة منها هذه البدعة بدعة الإرجاء وبدعة إنكار الصفات وبدعة القول بالجبر ، وقد تأثر بعض الفقهاء من الحنفية ببدعة الإرجاء إلا أنهم أوجبوا الأعمال وقالوا بإثم وعقوبة من لم يعملها ، وأما المرجئة الخلص فيرون أنه لا عقوبة على المؤمن ولو ترك الأعمال بالكلية وارتكب الموبقات وهذا قولٌ شنيع وضلالٌ مبين يدعوا إلى ترك الدين 0



ثم ظهرت بدعة الإعتزال في أوائل القرن الثاني وقالوا إن العاصي ليس بمؤمن وليس بكافر بل هو في منزلةٍ بين المنزلتين لكنه مخلدٌ في النار ، ثم تلقفوا بدعة إنكار الصفات من الجهمية كما سيأتي ويرجع المعتزلة إلى رجلٍ يقال له واصل بن عطاء كان من تلاميذ الحسن البصري فطرده لما أظهر بدعه وقيل إنه هو الذي انعزل فسمي اتباعه بالمعتزلة لذلك ، وأخذ عن واصل عمرو بن عبيد المتوفى سنة 144هـ ثم انتشر هذا المذهب زمن المأمون حين اعتنق هذا المذهب فدعم أتباعه ونصر أربابه وأجبر الناس على الدخول فيه بقوة السلطان وقام سوق دعاته كبشر المريسي وأحمد بن أبي دؤاد والجاحظ وغيرهم لكنهم خذلوا والحمد لله وعاد أمرهم وبالاً عليهم كما سيأتي في قصة خلق القران 0 والمعتزلة لا يقبلون السنة ويسمونها أخبار آحاد ، ويقوم مذهبهم على أصولٍ خمسة هي ( العدل ، والتوحيد ، وإنفاذ الوعيد ، والمنزلة بين المنزلتين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ويقصدون بالعدل إنكار القدر وبالتوحيد إنكار الصفات وبإنفاذ الوعيد إنكار الخروج من النار لمرتكب الكبيرة وبالمنزلة بين المنزلتين إنكار أن يكون مرتكب الكبيرة مؤمناً وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنكار السمع والطاعة للسلطان ، والمعتزلة لم ينقرضوا كما يعتقد بعض الناس بل كتبهم ما زالت متداولةً مشهورة مثل كتاب الكشاف للزمخشري وكتاب الغنية وكتاب متشابه القران لعبد الجبار الهمذاني وغيرها 0



ثم ظهرت بدعة التعطيل وإنكار الصفات وأول من عرف بذلك الجعد بن درهم فقتله خالد القسري أمير العراق في عام 124هـ في يوم عيد الأضحى قام فخطب الناس ثم قالوا ضحوا أيها الناس تقبل الله ضحاياكم فإني مضحيٍ بالجعد بن درهم فإنه يزعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً ولم يتخذ إبراهيم خليلاً فنزل فذبحه فقال بن القيم :

ولأجل ذا  ضحى بجعـدٍ خالد      القسري  يوم  ذبائح القربان

إذ قـال  إبراهيم ليس خليلـه     كلا ولا موسى الكليم الداني

شكر الضحية كل صاحب سنةٍ      لله  درك من أخي  قـربان

لكن أخذها عنه ونشرها المجرم الجهم بن صفوان وإليه تنسب فيقال الجهمية ونسبت إليه أقوالٌ شنيعةٌ في إنكار الصفات حتى أنه تمنى أن يحك من المصاحف قول الله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه وقتله سلم بن أحوز البلخي سنة 128هـ  فأخذها عنه المعتزلة ثم أخذها عنهم أهل الكلام من الأشاعرة والكلابية والماتريدية وغيرهم مع فروقاتٍ طفيفة ربما تعرضنا إليها في ثنايا هذا الكتاب 0







 ((  أشهر كتب العقيدة عند أهل الحق  ))

كتب أهل الحق كثيرةٌ جداً لكن من أشهرها /

1-كتاب الرد على الجهمية وكتاب الرد على الكافر العنيد للإمام عثمان بن سعيد الدارمي

2-الرد على الجهمية للإمام أحمد بن حنبل

3-خلق أفعال العباد للإمام محمد بن إسماعيل البخاري

4-كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل

5-كتاب السنة لأبي بكر الخلال

6-كتاب السنة لابن أبي عاصم

7-كتاب إعتقاد أهل السنة للإمام اللالكائي

8-كتاب الشريعة للإمام الآجري

9-كتاب التوحيد للإمام بن خزيمة

10-كتاب التوحيد وكتاب الإيمان لابن منده

11-كتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام

12-كتاب الإيمان  لأبي بكر بن أبي شيبة

13-كتب شيخ الإسلام بن تيمية كالواسطية والحموية والتدمرية وغيرها

14-كتب بن قيم الجوزية كالصواعق المرسلة وطريق الهجرتين وغيرهما

15-كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ككتاب التوحيد وكشف الشبهات والأصول الثلاثة وغيرها 0

16-كتب أئمة الدعوة من أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذهم ومن آخرهم الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ بن باز والشيخ بن عثيمين والشيخ صالح الفوزان وغيرهم 0







((  صفات أهل المعتقد الصحيح  ))

1-أن منهجهم توقيفي على الكتاب والسنة فهم يأخذون معتقدهم من الكتاب والسنة ويعرضون عن قول كل من خالفهما كائناً من كان 0



2-يعتقدون أنه لا يتعارض النقل الصحيح من الكتاب والسنة مع العقل السليم وعند توهم التعارض فيقدمون النقل على العقل 0



3-أنهم يأخذون بأخبار الآحاد الصحيحة في إثبات أمور الاعتقاد ، خلافاً لما عليه أغلب الطوائف المبتدعة في رد أغلب السنة بحجة أنها أخبار آحاد ، وسموها ظنون وقالوا إنها لا تقبل في العقائد ، وما ذاك إلا لأنها تتصادم مع عقائدهم الفاسدة 0



4-أن اعتقادهم لا يتغير ولا يتبدل على مرِّ الأزمنة  لأنه مبني على رواسخ ثابتة وأدلة يقينية من الكتاب والسنة خلافاً لما عداها من المعتقدات التي تتغير من حينٍ لآخر 0

فمثلاً / القدرية كان أوائلهم ينكرون علم الله السابق بالأشياء مع إنكار تقديرها ، ولكن لما كان هذا القول مقبوحًا لدى من لديه ذرة عقل أنكره متأخروهم ورفضوه ، وقالوا : يعلمها ولكنه لم يخلقها 0

والرافضة كانوا في أول أمرهم ممثلة ثم صاروا في آخر الأمر معطلة ، وتفرقوا إلى فرقٍ وأحزابٍ كثيرة بعد أن كانوا فرقةً واحدة ومثلهم المعتزلة والخوارج وغيرهم 0

وهذا الاختلاف والاضطراب دليل فساد المعتقد ، بينما تجد أهل المعتقد الصحيح أهل السنة أصولهم واحدة وعقيدتهم واحدة لم تتغير منذ العصر الأول 0



5-منهجهم يتميز بالوضوح فليس فيه لبسٌ ولا كتمان  ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالبياض فقال ( قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ) رواه أحمد وبن ماجه والحاكم وصححه الألباني  انظر حديث رقم: 4369 في صحيح الجامع

6-تكفل الله بحفظ مصدر عقيدتهم  وهو الكتاب والسنة  قال عز وجل ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ? [الحجر:9]



7-أنهم متمسكون بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المعتقد الصحيح وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإفتراق ( وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة  كلها في النار إلا واحدة ) . قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال ( من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ) رواه الترمذي وغيره وحسنه الألباني انظر حديث رقم ( 5343) في صحيح الجامع



8-أنهم لا يتركون معتقدهم بغضاً له وقد يتركه بعضهم طمعاً في دنيا وهم قلة ومعظمهم من الجهال لا من العلماء بخلاف ما عداها من المعتقدات فنرى عودة كبار المتعمقين فيها إلى الحق وتركهم لمعتقداتهم بغضاً لها وعرفاناً بفسادها ، ومن ذلك /

قال الغزالي  ( أكثر الناس شكًا عند الموت أهل الكلام ) اهـ .

وقال الشهرستاني

لعمـري لقـد طفـت المعاهد كلها        وسـيرت طرفي بـين تلك المعـالم                           فلم أر إلا   واضـعًا   كف  حائـرٍ          على ذقــنٍ أو قـارعًا   ســن  نـادم

ولقد رد عليه الإمام الصنعاني فقال :

لعلك يا أستاذ ما زرت   أحمداً          رسول العلا   المبعوث  من خير هاشم

فو الله لو  قد زرته  الدهر  مرةً           لـما صرت  نهباً   للنسور القشاعم 

ويقول الرازي وهو المتبحر في علم الكلام مخبراً عن نهاية أمره :

نهايـة   إقدام  العـقـول  عـقـال         وأكـثـر  سعـي  العـالمـين ضـلال

وأرواحنا فـي وحشة مـن  جسومنا         وحـاصــل  دنيـانـا   أذى   ووبـال

ولـم نستفد مـن بحثنا طول عمرنا              سـوى أن جمعـنا فيـه قيـل وقـال

ثم قال : لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فلم أرها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ، اقرأ في الإثبات } الرحمن على العرش استوى { } إليه يصعد الكلم الطيب { واقرأ في النفي } ليس كمثله شيء { } ولا يحيطون به علمًا { ، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي 0ا0هـ .

ويقول الجويني : لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم وخضت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لي وها أنا أموت على عقيدة أمي  ا0هـ فهذه بعض اعترافات كبارهم  ورجوعهم إلى مذهب السلف  وهذا دليل على صحة مذهب السلف وأنه المتوافق مع الفطر السليمة والأفهام المستقيمة 0



9-أن أهل المعتقد الصحيح أهل السنة هم المنصورون بالحجة والسيف ، فكلمتهم ظاهرة ورايتهم عالية ، وما كان الله ليؤيدهم ويديم نصرهم لولا أنهم على الحق ، إذ من المعلوم أنه يمتنع في عدل الله وحكمته جل وعلا أن يديم نصر الباطل وأن يعلي كلمة السوء 0



10-أن عقيدتهم  وسط بين طرفين بين أهل الغلو وبين أهل التساهل 0 ومن الأمثلة على وسطية أهل السنة ما يلي :



أ-يعتقد اليهود أن عيسى عليه السلام كذابٌ وابن بغي بينما يعتقد النصارى أنه الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة  تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا  فتوسط المسلمون في ذلك وقالوا : هو عبدالله ورسوله فقولهم : عبد الله ردٌ على النصارى الذين غلوا فيه ، وقولهم : ورسوله  رد على اليهود الذين كذبوه وأهانوه 0



ب-يعتقد اليهود في الحائض أنها نجسة العين وبناءً عليه لا يجوز مؤاكلتها ولا مجالستها ولا الحديث معها  ولا مسها  لأنها عندهم نجسةٌ قذرة ، بينما يعتقد النصارى جواز فعل كل شيء معها حتى الجماع ، وفي الإسلام لا يجوز الجماع وما عداه جائز 0



ج-وسطيتهم في باب الأسماء والصفات بين الممثلة الذين شبهوا الله بخلقه  وبين المعطلة الذين نفوا عنه صفات الكمال والجلال ، وعند أهل السنة إثباتٌ بلا تمثيل وتنزيهٌ بلا تعطيل 0



د-وسطيتهم في باب القدر بين الجبرية الذين يقولون إن  الإنسان مجبورٌ على فعل المعصية والطاعة وإنما هو كالريشة في مهب الريح فلا مشيئة له مطلقاً، وبين القدرية الذين يقولون لا قدر والأمر أنف  والإنسان يخلق فعله ، فقال أهل السنة : للإنسان مشيئة لاكنها تابعةٌ لمشيئة الله تعالى كما قال تعالى {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (29) سورة التكوير





هـ- وسطيتهم  في باب الإيمان والكفر بين الوعيدية الذين يكفرون بفعل الكبيرة وبين المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان معصية وإيمان أفسق الناس كإيمان الأنبياء 0



و- وسطيتهم في باب الصحابة وآل البيت بين النواصب الذين يغلون في الصحابة ويسبون آل البيت ، وبين الروافض الذين يسبون الصحابة ويغلون في آل البيت والسنة يعظمونهم جميعاً ولا يغلون فيهم 0



*  *  *









((  مصادر التلقي والإستدلال عند أهل المعتقد الصحيح أهل السنة  ))



المصدر الأول / كتاب الله

والمرجع في فهم كتاب الله وتفسيره يكون عن طريق النصوص المبينة لذلك كتفسير القرآن بالقرآن وتفسير القران بالسنة ثم تفسير القرآن بأقوال الصحابة لأنهم هم الذين عاينوا التنزيل وتلقوا الدين عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وتحملوا أمانة البلاغ للأمة وإنما وصلنا القران من طريقهم وهم أعلم الناس به بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستعان بلغة العرب في فهم معاني الكلمات لأنه نزل بلغتهم ، وأما ما يفعله أهل البدع من الخوض في الباطن كما يفعل الباطنية ونحوهم ممن يدَّعون أن للقران ظاهراً وباطناً وأن هذا الباطن يخالف الظاهر وقد اختصوا بعلمه فهذا من ضلالهم وتلبيسهم على الناس 0 



المصدر الثاني /

سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم  الصحيحة وإن كانت آحاداً في العقائد وغيرها وذلك لأن أهل الأهواء والبدع وجدوا أن مبادئهم وأصولهم تتصادم مع بعض النصوص ، فكان من حيلهم أن زعموا أن النصوص التي تصادم أصولهم أحاديث آحاد وسموها ظنون وقالوا إنها لا تقبل في العقائد ، وما ذاك إلا حمايةً لعقائدهم الفاسدة 0



المصدر الثالث /

إجماع السلف الصالح والأمة وهذا الإجماع مبني على الكتاب والسنة ، قال تعالى {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (115) سورة النساء وقال تعالى {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } (10) سورة الشورى وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تجتمع أمتي على ضلالة )

أبرز القواعد في  طريقة التلقي والإستدلال من هذه المصادر ما يلي :

1- يجب أن لا يعارض شيء من نصوص الكتاب والسنة الصحيحة بقياس ولا ذوق ولا كشف ولا قول شيخ ولا إمام ولا غيرهم 0

فالقياس غير وارد في العقيدة لأننا إذا قسنا عالم الغيب على الشهادة وقعنا في الزلل وربما رددنا نصوص الشريعة ، ففي نصوص الشرع مثلاً ما يدل على أن المؤمن يوسع له في قبره مد بصره ويفتح له باباً إلى الجنة ويأتيه ملكان فيجلسانه وغير ذلك فهذا كله من أمور الغيب فلو أردنا أن نقيسه على الشهادة لأنكرنا ذلك إذ يستحيل في عالم الشهادة مثل هذه الأمور إذ القبر يكاد يضيق بصاحبه فكيف يدخل معه ملكان ويجلسانه ولو فتحنا القبر لوجدناه كما هو لم يوسع فيه ولم يضيق على صاحبه فنقول هذا كله عالم شهادة وعذاب القبر ونعيمه عالم غيبٍ فلا يقاس هذا على هذا ومن قاس وقع في الخطأ ، وهكذا كثيراً من أمور الإعتقاد هي غيبية فلا تقاس على عالم الشهادة 0

والذوق لا يصح في الشريعة لأن هناك من أهل الأهواء والبدع من يزعمون أن بعض الأولياء أو بعض الصالحين إذا تذوقوا شيئًا أو مالت نفوسهم إليه فإنه يعتبر حقاً وشرعاً وهذا غير صحيح لأن الدين لا يبنى على التشهي وميل النفس وإنما يبنى على الخضوع  والاستجابة لله عزّ وجلّ  ولرسوله صلى الله عليه وسلم 0

وما يسمى بالكشف لا يصح في الشريعة لأن من أهل البدع من يزعمون أن من الصالحين وغيرهم من ينكشف له شيء من أمر الغيب أو من أحكام الحلال والحرام دون تقيد بالكتاب والسنة وهذا باطل لا دليل عليه وهو مدخل للشيطان 0

وينبغي أن لا نعرض الكتاب والسنة على أقوال المشايخ والعلماء والأئمة والأولياء ، بل العكس أن نعرض جميع أقوال الناس مهما بلغوا من العلم على  نصوص الدين وقواعده فما وافقها قبلناه وما عارضها رمينا به عرض الحائط 0





2- يجب البعد عن الابتداع في الدين فأصول الدين كلها قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأحدٍ أن يحدث شيئاً زاعماً أنه من الدين فعن عائشة  رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه ، ولمسلم ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) 0



3-العقل موافق للنقل الصحيح وعند توهم التعارض يقدم النقل لأن هناك أمرٌ يلتبس على كثير من الناس وهو أنهم يزعمون أن الله عزّ وجلّ جعل العقل مناط التكليف  فهو الذي كلف بالنظر في النصوص وعلل الشرع واستنباط الأحكام من ذلك ، وهو الذي كلف بالإتعاظ والإعتبارإلى آخره ، فنقول نعم ولكن هل كلف بأن يضع ديناً مع دين الله عز وجل



4-يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية الواردة في الكتاب والسنة وخاصةً في أمور العقيدة ويجب تجنب الألفاظ البدعية التي أحدثها الناس فأسماء الله مثلاً توقيفية في ألفاظها فلا نأتي بألفاظ أدبية أو فلسفية أو غيرها فنعبر بها عن الله  عز وجل  ، كتسمية بعضهم له جل وعلا بالصانع أو العقل الفعال ونحو ذلك فهذا منكرٌ عظيم  ، وهكذا في صفاته جل وعلا  كالتعبير عن الذات بالجسم وعن العلو بالجهة وغير ذلك فهذه أيضاً لا تجوز وهي منكرٌ عظيم يجب التوبة منه والرجوع إلى المصطلحات الشرعية فلا يغني عنها شيء ولو ظُنَّ أنه مرادفٌ لها 0 وأما طريقة التعامل مع المتلفظين بالألفاظ المجملة المحتملة للخطأ والصواب فيستفسر عن معناها الذي أرادوه فإن كان حقاً أثبت بلفظ شرعي وإن كان باطلا رد ، مثل تعبير بعض الناس عن علو الله  عز وجل  سبحانه بالجهة ، فنقول لهم ماذا تريدون بالجهة؟ فإن قالوا نريد أن نثبت علو الله عز وجل  فنقول: إذًا المعنى صحيح لكن كلمة جهة باطلة ، فعبروا بلفظ العلو واتركوا الجهة 0 وإن قالوا أردنا المكان الذي يحوي 0 فهنا نقول اللفظ باطل والمعنى أيضاً باطل فالله  عز وجل  سبحانه منزه عن أن يحويه مكان 0



(((  المصدر الأول  للتلقي عند أهل السنة   )))

((   القران الكريم  ))

القران لغةً / مصدر قرأ يقرأ قراءةً وقرآناً قال تعالى {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (18) سورة القيامة أي قراءته 0

وقيل إن المعنى عائدٌ إلى الجمع والضم فالقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض ، وسمي القرآن بذلك لكونه يجمع ثمرة جميع العلوم كالكتب السابقة وأخبار المبدأ والمعاد والأحكام والمواعظ والطب والعلوم الإنسانية وغير ذلك كما قال تعالى{ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } (38) سورة الأنعام

القران اصطلاحاً / هو كلام الله عز وجل المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته المعجز بأقصر سورةٍ منه 0

فقولنا / كلام الله : يخرج ما عداه من كلام البشر والجن والملائكة وغيرهم

وقولنا / المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم : يخرج ما أنزل على الأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام ، ويخرج أيضاً كلام الله الذي لم ينزله على أحد إذ كلام الله لا حصر له كما قال تعالى {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (109) سورة الكهف وقال تعالى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (27) سورة لقمان

وقولنا / المتعبد بتلاوته : يخرج الحديث القدسي فإنه لا يتعبد بتلاوته 0



((  أبرز خصائص القران  ))

1-أنه محفوظٌ من الزيادة والنقصان والتحريف والضياع كما قال تعالى{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر وأما الكتب السابقة فقد وكل الله حفظها إلى من أنزلت عليهم كما قال تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء } (44) سورة المائدة فلم يحفظوه بل أضاعوه وحرفوه ، وأما القران فقد تكفل الله بحفظه وهيأ جل وعلا لحفظه أسباباً فمن ذلك أن جعل العرب أمةً تعتمد على الحفظ فكانوا يحفظون القصائد الطوال والخطب وغيرها من أول ما يسمعونها وهكذا حفظوا القران ثم زرع حبه وتعظيمه في نفوسهم فصاروا يحرصون على تعلمه وتعليمه لأبنائهم ومن يحبون حتى انتشر حفظه وفهمه بين الأمة ، والحكمة في حفظه والله تعالى أعلم لأنه آخر كتابٍ يحمل آخر رسالةٍ تبقى إلى قيام الساعة 0

2-أنه المعجزة الخالدة الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ) متفق عليه  0

3-أنه خاتم الكتب السماوية الناسخ لها والمهيمن عليها 0

4-أنه يؤجر بتلاوته  فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ) رواه الترمذي وصححه الألباني حديث رقم ( 6469 ) في صحيح الجامع

5-أنه سهلٌ ميسر للتلاوة والحفظ والفهم كما قال تعالى {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } (17) سورة القمر

6-عدم الملل من تكرار تلاوته وترديد حفظه وتدارسه بل العكس من ذلك كلما ازداد من قراءته وتدارسه كلما ازداد له حباً وشوقاً إلى المزيد من ذلك 0



((  العقيدة الصحيحة في القران  ))

عقيدة أهل الحق في القران / أنه كلام الله عز وجل حروفه ومعانيه ، تكلم الله به حقيقةً على صفةٍ تليق بجلاله وعظمته ، منـزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، واتفق المسلمون على أن من جحد من القرآن سورةً أو آيةً أو كلمةً أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر 0

والأدلة على أنه كلام الله كثيرة قال تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} (6) سورة التوبة وقال {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} (15) سورة الفتح  فذكر الكلام ونسب القول إليه كقوله تعالى {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } (55) سورة آل عمران وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أحسن الكلام كلام الله وأحسن الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ) رواه النسائي وصحح إسناده الألباني وقد عاب الله على قومٍ عبادة الهةٍ لا تتكلم فقال تعالى {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} (148) سورة الأعراف فدلَّ على أن ربنا جل وعلا يتكلم ، وهل القران إلا كلامه لنا ،  ولقد توعد الله من كتم كلامه في الدنيا أن لا يكلمه في الآخرة عقوبةً له فقال تعالى{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (174) سورة البقرة وقال تعالى{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (77) سورة آل عمران فدَّل على أنه يكلم أوليائه بمفهوم المخالفة ولقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال ( ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ) متفقٌ عليه



((  الرد على الأشاعرة والكلابية ومن نحا نحوهم  ))

قول أهل الحق عن القران ( هو كلام الله حروفه ومعانيه تكلم به حقيقةً على صفةٍ تليق بجلاله وعظمته ) ذلك أن الأشاعرة والكلابية وغيرهم أنكروا الحرف والصوت وقالوا كلام الله عز وجل معنىً قائمٌ بنفسه ليس بحرفٍ ولا بصوت إنما هو معاني في نفس الله عزّ وجلّ لم يتكلم بها إنما تكلم بها غيره حكايةً أو تعبيراً عن مراد الله إما جبريل وإما محمد عليهم الصلاة والسلام  فالله اضطرهم حتى فهموا المعنى القائم بنفسه فحكوا وعبروا به فاللفظ منهما والمعنى من الله ، ويستدلون ببيت ينسب للأخطل النصراني قال فيه :

إن الكـلام لفي الفؤاد وإنما         جعل اللسان على الفؤاد دليلا



ويستدلون أيضاً على إنكار العلو والإستواء بقول الأخطل :

قد استوى بشرٌ على العراق             من غير سيفٍ أو دمٍ مهراق



ولذا رد عليهم شيخ الإسلام بقوله :

سحقاً لمن نبذ الكتاب وراءه            وإذا استدل يقول قال الأخطل



ويستدلون بقوله تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} (41) سورة الحاقة وقوله تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} (20) سورة التكوير فالآية الأولى تشير إلى محمد عليه الصلاة والسلام والثانية إلى جبريل عليه السلام وقد نسب الرب جل وعلا القول بالقرآن إليهما مما يدل على أنهما هما اللذان قالاه وعبرا به عن المعنى القائم في نفس الرب جل وعلا 0

والجواب / أوضح من الشمس فإنه لا يمكن أن يكون القول الواحد قولاً لثلاثةٍ أو اثنين إنما أراد المبلغين فجبريل عليه السلام تلقاه مباشرةً سماعاً من كلام الرب جل وعلا ونقله بنصه للنبي صلى الله عليه وسلم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم القران من قول جبريل نقلاً لقول الرب جل وعلا ثم قاله النبي صلى الله عليه وسلم للناس وأخبرهم أنه سمعه من جبريل عليه السلام عن رب العزة جل وعلا ، فنسب الرب جل وعلا القول إليهما لجهة البلاغ لا أن أصل الكلام صدر منهما ، ولذلك لم ينسب النبي صلى الله عليه وسلم القرآن إلى نفسه ولا إلى جبريل بل نسبه إلى ربه جل وعلا وقد صرحت بذلك الآيات والأحاديث المتكاثرة ، ولكن قلَّ فهم القوم للنصوص فضربوا بعضها ببعض ورأوا أنها متعارضة وإنما التعارض في عقولهم وقلوبهم بل الأدلة يصدق بعضها بعضاً ولا تعارض بينها بحمد الله وصدق الله إذ يقول {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} (7) سورة آل عمران

وأهل الحق يقولون هو كلام الله حروفه ومعانيه سواء كان مكتوباً أو مقروءاً أو مسموعاً  وأما المداد وهو الحبر والقلم الذي يكتب به والورق الذي يكتب فيه القران فهي مخلوقة وكلام الله غير مخلوق، قال ابن القيم مشيراً إلى ما قال القحطاني رحمهما الله:

ولقد شفانا قول شاعرنا الذي     قال الصواب  وجاء  بالإحسان

إن الذي هو بالمصاحف مثبتٌ     بأنامـل   الأشياخ    والشبان

هو قول ربي  آية  وحروفـه      ومـدادنا   والرق   مخلوقـان

فشفى  وفرق  بين   متلـوٍ       ومصنوعٍ وذاك حقيقة العرفان











((  الأدلة على أن كلام الله بحرف  ))

قد ذكر أهل السنة أدلةً على أن كلام الله تعالى بحرف وصوت رغم أنه هو الأصل في الكلام ولا دليل على إخراج كلام الله من ذلك وجعلِه من قسم المجاز، لكن زيادةً في الإعذار وبيان الحق للمبتدعة فمن الأدلة على أنه بحرف /



1-قوله تعالى ( الم ) و ( المص ) و ( كهيعص ) و( حم ) وغيرها من الحروف المقطعة فهل هذه إلا حروف وهي من كلام الله تعالى نسب القول بها إلى نفسه لا إلى غيره0



2-ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال : بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته . رواه مسلم   فبين أن  الفاتحة وخواتيم سورة البقرة تتكون من حروف وهي من القران الذي نسب الله الكلام به إلى نفسه لا إلى تعبير غيره فدل على أن كلامه جل وعلا بحرف 0



3- ما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب وصححه الألباني انظر حديث رقم ( 6469 ) في صحيح الجامع فذكر أن القران الذي نص الله عز وجل على أنه كلامه يشتمل على حروف يؤجر العبد على تلاوتها فدلَّ على أن كلام الله جل وعلا بحرفٍ 0



4-قول عليٍ رضي الله عنه من كفر بحرف من القران فقد كفر به كله 0



((  الأدلة على أن كلام الله بصوت ))



1-قوله تعالى لموسى {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (13) سورة طـه فكيف يستمع إذا لم يكن الكلام بصوت 0



2-قوله تعالى {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (10) سورة الشعراء والمناداة تكون بصوت وكذا قوله تعالى {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} (52) سورة مريم فالمناداة والمناجاة تكون بصوت



3-عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يقول الله عز وجل يوم القيامة : يا آدم ، فيقول : لبيك ربنا وسعديك فينادى بصوت : إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار قال : يا رب وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف أراه قال تسعمائة وتسعة وتسعين فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ) فكبرنا ثم قال : ( ثلث أهل الجنة ) فكبرنا ثم قال : ( شطر أهل الجنة ) فكبرنا . رواه البخاري

 











((  الرد على الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم  ))

قول أهل الحق عن القران / ( هو كلام الله ) وقولهم ( منزلٌ غير مخلوق ) فيه ردٌ على الجهمية والمعتزلة  لأن الجهمية والمعتزلة ومن نحا نحوهم أنكروا أن يكون القران كلام الله وقالوا إنما هو من مخلوقات الله ولهم في ذلك شبهٌ زعموا أنها أدلة منها /



1-استدلوا بقوله تعالى ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (الزمر: من الآية62) والقرآن شيء من الأشياء فهو داخل في عموم هذا النص ، فيكون مخلوقاً 0

وأجاب أهل الحق / بأن عموم ( كل ) لا يقتضي دخول جميع الأشياء فيها كسائر صيغ العموم فإن عموم كلٍ منها بحسبه كقوله تعالى عن ملكة سبأ ( وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) (النمل: من الآية23) أي أوتيت من كل شيء يحتاجه الملوك في الغالب لا أنها أوتيت كل الأشياء فإنها لم تؤت ما أوتي سليمان عليه السلام ، وكقوله تعالى في ريح عاد { تدمر كل شيء بأمر ربها }ومن المعلوم أنها لم تدمر السماوات والأرض والجبال والجمادات بل ولا حتى المساكن كما قال تعالى ( فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ) (الأحقاف: من الآية25) فدل ذلك على أنها إنما دمرت كل شيء تقدر على تدميره في الغالب وكل شيءٍ  أمرت بتدميره ، فكذلك قوله تعالى( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) أي مما يصلح أن يوصف بكونه مخلوقاً ، وهو هذه العوالم العلوية والسفلية من أرضها وسمائها وأفلاكها وملائكتها وإنسها وجنها وحيواناتها وشجرها ونباتها ومائها ونحو ذلك ، لكن الله تعالى بذاته وصفاته هو الخالق جل وعلا وما سواه مخلوق ومن صفاته كلامه والقرآن من كلامه فلا يكون مخلوقاً ، ويلزمهم على هذا القول وهو أن كل تعم كل شيء أن يكون الله جل وعلا مخلوقاً فقد قال تعالى ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ) (الأنعام: من الآية19) فهذا يثبت أن الله تعالى شيء وهو أكبر الأشياء جل وعلا ، فهل يدخل في عموم كل في قوله تعالى (( الله خالق كل شيء )) لا شك أنه لا يقول ذلك إلا مجنونٌ فاقد العقل والدين فتبين بطلان ما احتجوا به 0

ويقال للمعتزلةأيضاً أنتم تخرجون أفعال العباد الصادرة منهم عن كونها مخلوقةً لله تعالى  وهي شيء فأين حرصكم على الاستدلال بقوله تعالى{ الله خالق كل شيء }على العموم0

2-ويستدلون أيضاً بقوله تعالى ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ) (الزخرف: من الآية3) فقالوا : الجعل هنا هو الخلق فيكون المعنى إنا خلقناه قرآنا عربياً 0

وأجاب أهل الحق أهل السنة على ذلك بأن ( جعل ) في اللغة العربية لها معانٍ فتأتي بمعنى ( خلق ) إذا تعدَّت إلى مفعولٍ واحد 0 وتأتي بمعنى ( صَيَّر ) إذا كانت تتعدى إلى مفعولين فمن أمثلة مجيئها بمعنى خلق قوله تعالى ( وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) (الأنعام: من الآية1)   أي خلقهما لأن جعل لم تتعدى إلا إلى مفعول واحد وهو الظلمات والنور معطوفة عليها ، وكذا قوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } (189) سورة الأعراف الواو عاطفة وجعل فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو عائد إلى الرب جل في علاه ، ومنها جار ومجرور متعلقان بجعل ، وزوجها مفعول به ، فتكون جعل هنا بمعنى خلق لأنها لم تتعدى إلا إلى مفعولٍ واحد 0

وأما إذا تعدَّت إلى مفعولين فإنها تكون بمعنى صَيَّر ومن ذلك قوله تعالى ( فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ) (البقرة: من الآية66)  فإن المفعول الأول ( الها ) في قوله ( فجعلناها ) والمفعول الثاني ( نكالاً ) والمعنى فصيرناها نكالاً ،وقوله تعالى ( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) (الفيل:5) الفاء عاطفة وجعل فعل ماض وفاعله مستتر والهاء مفعول به أول وكعصف المفعول الثاني ومأكول نعت لعصف. فتكون بمعنى صير ومنه قوله تعالى  ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً ) (الزخرف: من الآية19) فإن المفعول الأول ( الملائكة ) والمفعول الثاني ( إناثاً ) فالواو عاطفة وجعلوا فعل وفاعل والملائكة مفعول جعلوا الأول والذين نعت وهم مبتدأ وعباد الرحمن خبره والجملة صلة الذين وإناثا مفعول جعلوا الثاني فتكون بمعنى صير أي وصيروا الملائكة باعتقادهم الفاسد إناثاً وقيل بمعنى سموا وقيل بمعنى حكموا أي حكموا على الملائكة بأنهم إناث كقوله تعالى (( ويجعلون لله البنات )) (النحل 57) أي يحكمون له بذلك ، والمقصد أنه لا يكون بمعنى خلق فلا يقول عاقل أن معنى( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ ) (الزخرف: من الآية19)  أي وخلقوا الملائكة ومعنى (( ويجعلون لله البنات )) أي ويخلقون لله البنات ومعنى ( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) أي فخلقهم كعصف مأكول فلذلك قوله تعالى ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (الزخرف:3)  المفعول الأول الضمير والمفعول الثاني ( قرآناً ) والمعنى إنا صيرناه قرآناً عربياً حيث تكلمنا به بلغة العرب 0

3-ويستدلون أيضاً بقوله تعالى ( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (الأنبياء:2)  وقوله تعالى ( وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) (الشعراء:5) فقالوا : المحدث هو المصنوع الجديد الذي لم يكن موجوداً قبل فيكون بمعنى المخلوق وقد وصف الله القران في هاتين الآيتين بأنه كذلك 0

وأجاب أهل الحق أهل السنة: إن قوله تعالى في هاتين الآيتين ( مُحْدَثٍ ) من الحدوث وهو كون الشيء بعد أن لم يكن والقرآن حين كان ينزل كان جديداً على الناس لم يكونوا علموه من قبل فهو محدث بالنسبة إلى الناس ، والمعنى أنه كلما نزل عليهم شيءٌ جديدٌ من القرآن استمعوه وهم ساهون غافلون 0 فليس المحدث هنا هو المخلوق 0

علماً أن أهل السنة يقولون إن كلام الله جل وعلا قديم النوع حادث الآحاد فإنه كان متكلماً وما زال فهو يتكلم بما شاء وقتما شاء كيفما شاء ، فكلامه الأخير جل وعلا محدثٌ أي جديد بالنسبة لكلامه القديم ، وقد كان الرب جل وعلا يكلم جبريل عليه السلام بالقران فينزل به جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيعلمه إياه فهو كلامٌ جديدٌ من الرب جل وعلا وهو كلامٌ جديدٌ بالنسبة إلى الناس لم يسمعونه قبل فهو محدثٌ بهذا المعنى لا أنه مخلوق كما يقوله الجهمية وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني انظر حديث رقم: 1892 في صحيح الجامع فهل يصح أن يكون قوله ( قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ) بمعنى قد خلق أن لا تكلموا في الصلاة ؟ لا يصح إنما المعنى قد شرع شرعاً جديداً 0



4-ويستدلون أيضاً بقوله تعالى في عيسى عليه السلام ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ) (النساء: من الآية171) وقال تعالى  ( يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) (آل عمران: من الآية45) وعيسى مخلوق فتكون الكلمة مخلوقة ، فقال أهل السنة : إن عيسى عليه السلام ليس هو  ( كن ) وإنما هو المكون بـ( كن ) كما قال تعالى ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران:59) وقال تعالى ( قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران:47) فكلمة الله هي قوله ( كن ) وهذه ليست هي عين عيسى عليه السلام وإنما عيسى هو أثرها المقصود بقوله ( فيكون ) فعيسى عليه السلام تكوَّن بـ ( كن ) وليس هو عين ( كن ) فعيسى عليه السلام مخلوق خلقه الله بأمره حين قال له ( كن ) فتكوَّن بهذه الكلمة لا أن كلمة الله نفسها مخلوقة كما يعتقده الجهمية ومن سار على منهجهم 0



وأما أدلة أهل السنة على أنه منزل غير مخلوق فكثيرة منها قوله تعالى ( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الزمر:1) وقال تعالى ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (الشعراء:192) وقال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (الحجر:9) وقال تعالى ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ) (النحل: من الآية102) وبيّن المولى جل وعلا أنه كلامه وكلامه صفةٌ من صفاته وصفاته منه جل وعلا غير مخلوقة ، وقد أتفق أهل السنة على ذلك وصرحوا بكفر من قال القران مخلوق لأنه جعل صفات الله مخلوقة وذلك تنقصٌ للرب جل وعلا 0













((  حكم قول لفظي بالقران مخلوق  ))



لا يصح قول لفظي بالقرآن مخلوق أو قول لفظي بالقرآن غير مخلوق بل الواجب السكوت عنه وعدم الخوض فيه لكن إذا ابتليت بمن يسأل عنه فلابد من الاستفصال فلا بد أن يفرق بين اللفظ والملفوظ به فمن قال لفظي بالقرآن مخلوق إن كان يقصد نبرات صوته وحركة لسانه ولهاته فهذه لاشك أنها مخلوقه وإن كان يقصد الملفوظ به فهو قول باطل لأن ما تلفظ به هو القرآن وهو كلام الله منزل غير مخلوق 0



وأصل هذه الكلمة إنما قالها المعتزلة وذلك أنه لما خبت نارهم وانكسرت شوكتهم في عهد المتوكل رحمه الله ولم يستطيعوا أن يصرحوا بمذهبهم في القول بخلق القرآن كما كانوا يصرحون به في عهد المأمون والمعتصم والواثق ، بحثوا عن كلمةٍ مجملةٍ يستطيعون بها نفث سمومهم بين أهل السنة من حيث لا يشعر بهم أحد فبدل أن يقولوا : القرآن مخلوق ، قالوا : ألفاظنا بالقرآن مخلوقه ، فاستعجل بعض الغيورين من أهل السنة فقال : ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقه 0 وكلا الإطلاقين مجمل ويحتاج إلى تفصيلٍ كما تقدم 0

















((  قصة فتنة القول بخلق القران  ))

كان معطلة الصفات ينكرون أن الرب جل وعلا يتكلم فقال أهل الحق كيف تنكرون أن الله عز وجل يتكلم وهذا كلام الله القران بين أيديكم فغصوا بذلك ثم اخترعوا القول بخلق القران فراراً من إثبات الكلام للرب جل وعلا إمعاناً في الباطل ودفاعاً عن بدعتهم ، وكان من أشد المعلنين بهذه البدعة رجلٌ يقال له بشر المريسي فقال هارون الرشيد : بلغني أن بشر المريسي يقول إن القران مخلوق فلله عليَّ إن أظفرني به لأقتلنه فبقي متخفياً زمن الرشيد فلما توفي أظهر مقالته زمن المأمون وكان المأمون شغوفاً بكتب الفلاسفة واليونان وغيرهم فترجمها إلى العربية وتأثر بها وأحب من يحبها وقربه فكان خاصته هم أهل الكلام والفلسفة ومنهم نفاة الصفات كبشر المريسي وغيره فتأثر بهم وأقنعوه بمذهبهم حتى اقتنع وهذا جزاء من يقدِّم كتب الضلَّال على كتب أهل الإسلام ، ولما اقتنع بمذهبهم دعوه إلى إلزام الناس به بقوة السلطان فبقي متردداً زمناً وخاصةً بعد هزيمة بشر المريسي في مناظرته مع عبد العزيز الكتاني كما في كتاب الحيدة ، ثم ما زال خاصته من أهل الضلالة يحسنون له أن يفتن الناس على القول بخلق القران حتى قوي عزمه بعد ذلك فأمر بامتحان العلماء فقدموا بين يدي نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم فامتحنهم ونص المأمون على قتل من لم يجب منهم فأجابوا جميعاً متأولين قوله تعالى {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(106)}  سورة النحل غير أربعة منهم لم يجيبوا وهم ( الإمام أحمد بن حنبل ، ومحمد بن نوح ، والحسن بن حماد سجادة وعبد الله بن عمر القواريري ) فلمَّا اشتد عليهم الإمتحان بعد ذلك أجاب اثنان وهم ( الحسن وعبدالله ) وبقي الإمام أحمد ومحمد بن نوح أصرَّا على عدم الإجابة فلمَّا أيس النائب منهما أرسلهما مقيدين على جمل إلى المأمون وكان بطرطوس فدعى الإمام أحمد ربه جل وعلا أن لا يريهما المأمون فاستجاب الله دعاءه فمات المأمون وهما بالطريق فردا إلى الرقة ثم إلى بغداد وكان أبو جعفر الأنباري قد دخل على الإمام أحمد وهما في بغداد فقال : يا هذا أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك فوالله لئن أجبت إلى خلق القران ليجيبن خلق وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت لابد من الموت فاتق الله ولا تجب فجعل أحمد يبكي ويقول ما شاء الله ، وكان أول ما ابتدأهم بالإمتحان في شهر جمادى الآخرة من عام218هـ فقال ما تقولون في القران ؟ فقال الإمام أحمد هو كلام الله غير مخلوق فقال قوله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(11)} سورة الشورى ما السميع البصير ؟ قال أحمد هكذا قال الله تعالى ، وكان الإمام أحمد يقول : لست أبالي بالحبس ما هو ومنزلي إلا واحد ولا قتلاً بالسيف إنما أخاف فتنة السوط فسمعه بعض أهل الحبس فقال : لا عليك يا أبا عبد الله إنما هما سوطان ثم لا تدري أين يقع الباقي فسري عنه ، ولمَّا كانا في الطريق إلى المأمون لقيهم رجلٌ من الأعراب يقال له جابر بن عامر فسلم عليهم وقال للإمام أحمد : يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤماً عليهم وإنك رأسٌ اليوم فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة وإن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل وإنك إن لم تقتل تمت وإن عشت عشت حميداً قال أحمد : وكان كلامه مما قوى عزمي فلمَّا نزلوا دون المأمون بمرحلة جاء خادمٌ يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول يعز علي يا أبا عبد الله أن المأمون قد سل سيفاً لم يسله قبل ذلك وأنه يقسم بقرابته من رسول الله لئن لم تجبه إلى القول بخلق القران ليقتلنك بذلك السيف قال : فجثى الإمام على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال : سيدي غرَّ حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل ، اللهم فإن يكن القران كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته 0 قال فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل ، فردوا وفي الطريق مات محمد بن نوح وتولى الإمام غسله وتكفينه والصلاة عليه وقال عنه : ما رأيت أحدا  على حداثة سنه وقدر علمه أقوم لأمر الله من محمد بن نوح إني لأرجوا أن يكون قد ختم له بخير ، وقد قال لي ذات يوم : يا أبا عبد الله ، الله الله إنك لست مثلي أنت رجلٌ يقتدى بك قد مد الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك فاتق الله واثبت لأمر الله ، ووصل الإمام وحيداً إلى بغداد في رمضان وأودع في السجن نحواً من ثمانية وعشرين شهراً وكان يصلي بأهل السجن والقيود في رجليه ثم أخرج إلى المعتصم على دابة وزيد في قيوده فلم يستطع المشي بها فحملها بيديه وكاد يسقط من الدابة حين ركبها من ثقل القيود وحجزها له ولم يساعده أحد فأدخل في غرفةٍ مظلمة ولا سراج قال الإمام أحمد :  فأردت الوضوء فمددت يدي فإذا إناءٌ فيه ماء فتوضأت منه ثم قمت ولا أعرف القبلة فلما أصبحت إذا أنا على القبلة ولله الحمد ، ثم دُعيت فأدخلت على المعتصم فلما نظر إليَّ وعنده بن أبي دؤاد قال : أليس قد زعمتم أنه حدث السن وهذا شيخٌ مكهل ؟ فلما دنوت منه وسلمت قال لي : ادنه فلم يزل يدنيني حتى قربت منه ثم قال اجلس فجلست وقد أثقلني الحديد فمكثت قليلاً ثم قلت : يا أمير المؤمنين أتأذن لي في الكلام قال : تكلم ،  قلت : إلى ما دعا إليه بن عمك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله قلت : فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، ثم قلت إن جدك بن عباس رضي الله عنهما قال : لما قدم وفد عبد القيس على رسول الله قال لهم ( أتدرون ما الإيمان ) قالوا : الله ورسوله أعلم قال ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تعطوا الخمس من المغنم ) قال فتكلم ابن أبي دؤاد بكلامٍ لم أفهمه ، فقال المعتصم : لولا أنك كنت في يد من كان قبلي لم أتعرض إليك ، ثم قال : يا عبد الرحمن ألم آمرك برفع المحنة ، قال أحمد : فقلت الله أكبر هذا فرج للمسلمين ثم قال : ناظره يا عبد الرحمن كلمه ( يريد بن اسحاق ) فقال : ما تقول في القران ؟ فلم أجبه فقال المعتصم أجبه فقلت ما تقول في العلم ؟ فسكت فقلت القران من علم الله ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد كفر بالله ، فسكت فقالوا فيما بينهم : يا أمير المؤمنين كفرك وكفرنا فلم يلتفت إلى ذلك ، فقال عبد الرحمن : كان الله ولا قران ، فقلت : كان الله ولا علم فسكت فجعلوا يتكلمون من هاهنا وهاهنا فقلت يا أمير المؤمنين أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أقول به فقال : بن أبي دؤاد وأنت لا تقول إلا بالقران والسنة ؟ فقلت وهل يقوم الإسلام إلا بهما ، وجرت بينهم وبينه مناظراتٌ طويلة في عدة أيام منها احتجاجهم عليه بقوله تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (62)}  سورة الزمر والقران شيء من الأشياء فهو مخلوق فرد عليهم بأن القران كلام الله وكلامه صفةٌ من صفاته فهل يخلق صفةً فيه فالله بصفاته خالق وما سواه مخلوق ثم إن هذا عامٌ يمكن تخصيصه نحو قوله تعالى عن ريح عاد {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ(25)}  سورة الأحقاف فهي لم تدمر السماوات والأرض بل ولا حتى مساكنهم بنص الآية ، واحتجوا عليه بمثل قوله تعالى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(3) } سورة الزخرف وكل مجعولٍ مخلوق فقال أحمد فهل قوله تعالى {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ(5) } سورة الفيل أي خلقهم ، وقال بعضهم حديث عمران ( إن الله خلق الذِّكر ) قال هذا خطأ حدثنا غير واحد ( إن الله كتب الذكر ) واحتج بعضهم بحديث بن مسعود (ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي ) فقال ( وقع الخلق على الجنة والنار والسماء والأرض ولم يقع على الآية ) وقال أحدهم حديث خباب ( يا هنتاه تقرب إلى الله ما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيءٍ أحب إليه من كلامه ) فقال هكذا هو ، وناظره المريسي أو غيره ببعض الفلسفات كالجسم ونحوه مما لا فائدة فيه فقال الإمام : لا أدري ما تقول إلا أني أعلم أن الله أحدٌ صمدٌ ليس كمثله شيء  ، وأورد لهم الإمام أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم  في إثبات الرؤية ونحوها فجعلوا ينكرون الآثارويطعنون في رواتها ويردون الإحتجاج بها قال أحمد فسمعت منهم كلاماً لم أكن أظن أن أحداً يقوله ، فلما أنكروا الآثار وردوها احتج عليهم بالقران من مثل قوله تعالى عن إبراهيم {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا(42)}  سورة مريم وقوله تعالى { وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا(164) } سورة النساء  وقوله تعالى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(40)  سورة النحل ونحوها من الآيات فقال بن أبي دؤاد : هو والله يا أمير المؤمنين ضالٌ مضل  مبتدع وهنا قضاتك والفقهاء فسئلهم فقال ما تقولون ؟ فأجابوا بمثل ما قال بن أبي دؤاد ، وكان المعتصم يتلطف معه ويقول يا أحمد إني عليك لشفيق أشفق عليك كشفقتي على ابني هارون أجبني إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي فيقول يا أمير المؤمنين أعطوني آيةً من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أجيبكم إليها ، فقالوا يا أمير المؤمنين هذا كافر ضال مضل وقال إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد : يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين ، فعند ذلك حمي واشتد غضبه وكان قبل ذلك ألينهم فقال للإمام أحمد وهو يظن أن جلساءه على شيء : لعنك الله طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني ثم قال : خذوه واخلعوه واسحبوه قال أحمد فأخذت وسحبت وخلعت وجيء بالعاقبين والسياط وأنا أنظر وكان معي شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مصرورةً في ثوبي فجردوني منه وصرت بين العقابين فقلت : يا أمير المؤمنين : الله الله إن رسول الله قال ( لا يحل دم امرئٍ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة ) وأن رسول الله قال ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ) فبم تستحل دمي ولم آت شيئاً من هذا ؟ يا أمير المؤمنين اذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك فكأنه أمسك ، ثم لم يزالوا يقولون له : يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر فأمر بي فقمت بين العقابين وجيء بكرسي فأقمت عليه وأمرني بعضهم أن آخذ بيدي بأي الخشبتين فلم أفهم فتخلعت يداي وجيء بالضرابين ومعهم السياط فجعل أحدهم يضربني سوطين والمعتصم يقول له : شد قطع الله يدك ، ويجيء الآخر ويضربني سوطين ثم الآخر كذلك فضربوني أسواطاً فأغمي علي وذهب عقلي مراراً فإذا سكن الضرب يعود علي عقلي وقام المعتصم إليَّ يدعوني إلى قولهم فلم أجبه وجعلوا يقولون ويحك الخليفة على رأسك إمامك على رأسك واقف في الشمس وهو صائم وبعضهم يقول : أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم وبعضهم يقول : أقتله يا أمير المؤمنين ودمه في عنقي 0 فقال المعتصم : ما تقول يا أحمد ؟ فقلت : أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسوله أقول به ، فقال يا أحمد : أجبني إلى شيءٍ لك فيه أدنى فرج فأقول : أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسوله أقول به ، فرجع وقال للجلاد تقدم ، شد قطع الله يدك ، وقال عبد الرحمن : يا أحمد من صنع من أصحابك مثل ما صنعت ؟ وجعل الجلاد يضربني سوطين ويتنحى ويتقدم الآخر فيصنع مثله وهكذا والمعتصم يقول خلال ذلك : شد قطع الله يدك فأغمي عليَّ فلما استفقت إذا القيود قد أطلقت عني وقال لي رجلٌ ممن حضر لقد كببناك على وجهك ودسناك بالأقدام ، فوالله ما شعرت بشيءٍ مما قال ، وأحضروا ماءً فقالوا : له لما رأوا عليه من الضعف والعذاب أفطر وكان ذاك في نهار رمضان فقال لا أفطر ، فلما حضرت الظهر صلى بهم بن سماعة القاضي فلما انفتل قال أصليت في دمك قال : قد صلى عمر وجرحه يثعب دماً ، فسكت القاضي ، وكان المعتصم يريد إطلاقه بلا ضرب فلم يزل به ابن أبي دؤاد وإسحاق بن إبراهيم حتى أقنعاه بضربه فلما ضربه ندم وقال : لقد ارتكبنا إثماً في حق هذا الرجل فقال بن أبي دؤاد هو والله يا أمير المؤمنين كافرٌ مشرك قد أشرك من غير ما وجه ، وكان أحد تلاميذ الإمام وهو المروذي يقول : يا إمام ألم يقل الله تعالى { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا(29)}  سورة النساء ، قال فاخرج فانظر ما ترى فأخبرني فخرج فرأى خلقاً كثيراً معهم الصحف والأقلام فقالوا ننظر ماذا يقول الإمام فنثبته فدخل فأخبره فقال يا مروذي أتريدني أن أضل هؤلاء كلهم ، وكان بعض العلماء يحدثون الإمام عن التقية وما ورد فيها فقال ما تقولون في حديث خباب ( إن من كان قبلكم كان ينشر بالمنشار من مفرق رأسه لا يصده ذلك عن دينه ) فيئسوا منه فتركوه ، وأطلقه المعتصم بعد يئسه منه ، وقيل إنه ندم ندماً كثيراً وجعل يسأل النائب حتى عوفي الإمام ففرح بذلك وفرح المسلمون بذلك وكان الطبيب يقول ما رأيت ضرباً كهذا وكان يقطع اللحم الذي فسد من شدة الضرب والإمام صابرٌ يلهج لسانه بذكر الله فبرأ إلا أنه كان يشتكي من بعض المواضع حتى توفي وكذا آثار الضرب ومكانه في جلده لم يزل به حتى توفي ، وقد قرأ الإمام قوله تعالى {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(40) } سورة الشورى فقال قد جعلت الميت في حلٍ من ضربه إياي ، وقال : ما على رجلٍ أن لا يعذب الله بسببه أحداً ، وقال عن المعتصم هو في حلٍ من ضربه إياي 0 قال بن كثير : ولما شفاه الله جعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة وكان يتلوا في ذلك قوله تعالى { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(22) } سورة النــور وقوله تعالى{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(40)}  سورة الشورى ينادي المنادي يوم القيامة ( ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا ) وفي الحديث ( ثلاث أقسم عليهن : ما نقص مال من صدقة وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ومن تواضع لله رفعه الله ) اهـ0(البداية والنهاية10/368)

وكان الذين ثبتوا في الفتنة فلم يجيبوا بالكلية هم :

1-الإمام أحمد بن حنبل وتقدمت قصته وبقي مطلقاً حتى تولى الواثق فمنعه من الفتيا والتدريس حتى توفي الواثق وجاء  المتوكل الذي كان وقت خلافته نصرٌ لأهل السنة وقمعٌ لأهل البدعة فشرع الإمام في التدريس والفتيا حتى توفاه الله وكان يقول بيننا وبين أهل البدع يوم الجنائز فلما توفي غصت بغداد بالذين حضروا لشهود جنازته والصلاة عليه رحمه الله ورضي عنه 0

2-محمد بن نوح بن ميمون وكان شاباً جلداً قوياً في الحق وهو الذي صبر مع الإمام أحمد وتوفي في الطريق مثقلاً بالقيود والحديد 0

3-نعيم بن حماد الخزاعي توفي في السجن 0

4-أبو يعقوب البويطي مات في سجن الواثق مثقلاً بالحديد 0

5-أحمد بن نصر الخزاعي قال بن كثير كان من أهل العلم والديانة والعمل الصالح والإجتهاد في الخير وكان من أئمة أهل السنة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وكان يدعوا إلى القول بأن القران كلام الله منزلٌ غير مخلوق وكان الخليفة الواثق من أشد الناس في القول بخلق القران اعتماداً على ما كان عليه أبوه وعمه من غير دليل ولا برهان ، فقام أحمد يدعوا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بأن القران كلام الله فاجتمع عليه خلقٌ كثير وانتصب للدعوة له أبو هارون السراج يدعوا أهل الجانب الشرقي ورجلٌ آخر يقال له طالب يدعوا أهل الجانب الغربي فاجتمع عليه ألوف فانتظمت البيعة لأحمد بن نصر بالخروج على السلطان لبدعته وقوله بخلق القران ولما هو عليه وحاشيته من المنكرات فتواعدوا ليلة جمعة من شهر شعبان أن يضرب طبلٌ في الليل فيجتمع المبايعون في مكان اتفقوا عليه ، وأعطى أبو هارون أصحابه ديناراً دينارا وكان من جملة من أعطاهم رجلان من بني أشرس وكان يتعاطيان الشراب فلما كانت ليلة الخميس شربا في قومٍ من أصحابهما واعتقدا أن تلك الليلة هي الموعد وذلك قبل الموعد بليلة فقاما يضربان على الطبل في الليل ليجتمع إليهما الناس فلم يجيء أحد وسمع الحرس فأعلموا نائب السلطنة وهو محمد بن إبراهيم وكان نائباً لأخيه إسحاق بن إبراهيم فأحضر الرجلين فعوقبا فأقرا على أحمد بن نصر فأخذ خادماً له فاستقره فأقر بما أقر به الرجلان فأخذ أحمد وجماعةً من رؤوس أصحابه وأرسلهم إلى الخليفة بسر من رأى فأحضر له جماعة من الأعيان وحضر القاضي أحمد بن أبي دؤاد المعتزلي فلما أوقف أحمد بن نصر بين يدي الواثق أعرض عن خروجه عليه ومبايعته العوام وقال له : ما تقول في القران ؟ قال : هو كلام الله ، قال أمخلوقٌ هو ؟ قال هو كلام الله وكان أحمد قد باع نفسه وحضر متحنطاً ، فقال الواثق ؟ فما تقول في ربك أتراه يوم القيامة ؟ قال : قد جاء القران والأخبار بذلك قال تعالى{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ(22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23) } سورة القيامة  وقال رسول الله ( إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ) فنحن على الخبر ، قال الواثق : ويحك أيرى كما يرى المحدود المنجسم ويحويه مكان ويحصره الناظر ؟ أنا أكفر بربٍ هذه صفته ( وهذه اللوازم من تركيب عقولهم وتحديث الشيطان لهم وإلا فهي ليست لازمةٌ للرؤية ) فقال أحمد : حدثني سفيان بحديثٍ يرفعه ( إن قلب ابن آدم بأصبعين من أصابع الله يقلبه كيف يشاء ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) فقال إسحاق بن إبراهيم : ويحك أنظر ما تقول 0 فقال أنت أمرتني بذلك فأشفق إسحاق من ذلك وقال : أنا أمرتك ؟ قال : نعم أمرتني أن أنصح له 0 فقال الواثق لمن حوله : ما تقولون في هذا الرجل ؟ فأكثروا القول فيه فقال عبد الرحمن بن إسحاق وكان مواداً لأحمد بن نصر قبل ذلك : يا أمير المؤمنين هو حلال الدم ، وقال أبو عبد الله الأرمني صاحب بن أبي دؤاد : اسقني دمه يا أمير المؤمنين ، فقال الواثق : لا بد أن يأتي ما تريد 0 وقال بن أبي دؤاد : هو كافر يستتاب لعل به عاهة أو نقص عقل 0 فقال الواثق إذا رأيتموني قمت إليه فلا يقومن أحدٌ معي فإني أحتسب خطاي ثم نهض معه بالصمصامة وكانت سيفاً لعمرو بن معد يكرب الزبيدي أهديت لموسى الهادي أيام خلافته فلما انتهى الواثق إليه ضربه بها على عاتقه وهو مربوط بحبل قد أوقف على نطع ثم ضربه أخرى على رأسه ثم طعنه في بطنه فسقط صريعاً رحمه الله فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم ضرب سيما الدمشقي عنقه وحز رأسه فصلب جسده لوحده ورأسه لوحده في بغداد وعنده حرس وقد وضعوا في أذنه رقعة مكتوب فيها هذا رأس الكافر المشرك الضال أحمد بن نصر الخزاعي ممن قتل على يدي عبد الله هارون الإمام الواثق بالله أمير المؤمنين بعد أن أقام عليه الحجة في خلق القران ونفي التشبيه وعرض عليه التوبة ومكنه من الرجوع إلى الحق فأبى إلا المعاندة والتصريح فالحمد لله الذي عجله إلى ناره وأليم عقابه بالكفر فاستحل بذلك أمير المؤمنين دمه ولعنه اهـ ثم أمر الواثق بتتبع أصحابه فأخذ منهم نحو تسع وعشرين رجلا وأودعوا السجن وسموا الظلمة وقيدوا بالحديد ومنعت زيارتهم ولم يجر عليهم من الأرزاق التي كانت تجري على المحبوسين 0 وكان أحمد بن نصر يسمع الحديث ويحفظه لا كنه لا يجلس للتحديث يقول إني لست أهلاً لذلك وأثنى عليه العلماء حتى قال أحمد بن حنبل : رحمه الله ما كان أسخاه بنفسه لله لقد جاد بنفسه له ، وقال جعفر الصائغ : بصرت عيناي وإلا فقئتا وسمعت أذناي وإلا فصمتا أحمد بن نصر حين ضربت عنقه يقول رأسه لا إله إلا الله وسمع أحدهم رأسه وهو مصلوب يقرأ {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2) } سورة العنكبوت قال فاقشعر جلدي ، ورآه بعضهم في المنام فقال : ما صنع الله بك قال : ما كانت إلا غفوة حتى لقيت الله عز وجل فضحك إليَّ ، ورأى بعضهم رسول الله في المنام ومعه أبو بكر وعمر وقد مرو على رأس أحمد بن نصر فلما جاوزوه أعرض رسول الله بوجهه الكريم عنه فقيل له : يا رسول الله مالك أعرضت عن أحمد بن نصر ؟ فقال : أعرضت عنه استحياء منه حين قتله رجل يزعم أنه من أهل بيتي  ومات الواثق في السنة التي تليها أصيب بالإستسقاء وهو داءٌ في البطن فمات منه 0 ولم يزل رأس أحمد بن نصر منصوباً من يوم الخميس 28/8/231هـ إلى 3/10/237 فجمع بين رأسه وجثته بأمر المتوكل رحمه الله وكان المتوكل يحب أهل السنة كالإمام أحمد بن حنبل وغيره فدخل عليه عبد العزيز الكتاني ونصحه بدفن أحمد بن نصر ودخل عليه بعد دفنه وقال يا أمير المؤمنين ما رئي أعجب من أمر الواثق قتل أحمد بن نصر ولسانه يلهج بالقران إلى أن دفن ، فساء المتوكل ما سمع في أخيه الواثق فدخل عليه بن الزيات فقال له المتوكل إن في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر فقال أحرقني الله بالنار إن قتله الواثق إلا كافراً ودخل عليه هرثمة فقال له مثل مقالته لابن الزيات فقال قطعني الله إرباً إرباً إن قتله إلا كافراً ودخل عليه بن أبي دؤاد فقال ضربني الله بالفالج إن قتله إلا كافراً فقال المتوكل فأما بن الزيات فأنا أحرقته بالنار وأما هرثمة فإنه هرب فاجتاز بقبيلة خزاعة فعرفه رجل من الحي فقال يا معشر خزاعة هذا الذي قتل بن عمكم أحمد بن نصر فقطعوه إرباً إرباً وأما بن أبي دؤاد فقد سجنه الله في جلده وضربه بالفالج قبل موته بأربع سنين 0 واجتمع الناس في جنازة أحمد بن نصر وجعلوا يتمسحون به وبأعواد نعشه ويتمسحون بالجذع الذي صلب عليه فنهاهم المتوكل عن المغالاة في البشر ونهى عن القول بخلق القران ونهى عن تعاطي علم الكلام واستدعى أحمد بن حنبل وأكرمه غاية الإكرام وأمر له بجائزة فلم يقبلها ، وخلع المتوكل من ملابسه وأعطاه إياها فاستحيا منه فلبسها إلى الموضع الذي كان نازلاً فيه ثم نزعها وهو يبكي وكان المتوكل يرسل إليه من طعامه الخاص به وأحمد لا يأكل منه بل واصل الصيام ولولا أنه رد لبغداد لخشي عليه أن يموت جوعاً ، وكان لا يولي أحداً إلا بعد استشارته وارتفع أهل السنة في زمنه وطفئت نار أهل البدع فرحمه الله رحمة واسعة 0

 



















((  شرح معنى : منه بدأ وإليه يعود  ))

قول أهل الحق عن القران  / منه بدأ : أي أن مبدأ نزوله من عند الله عز وجل وأن الله تعالى هو الذي تكلم به ابتداءً فلم يتكلم به أحدٌ قبله والأدلة على هذا كثيرة قال تعالى {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ } (102) سورة النحل وقال تعالى ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) (هود:1) وقال تعالى ( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) (النمل:6)

وقولهم / وإليه يعود : أي في آخر الزمان ذلك أن كلام الله تعالى يسرى عليه في ليلةٍ فيرفع من المصاحف وصدور الحفاظ فلا تبقى في الأرض منه آية ، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب. حتى لايدري ماصيام ولا صلاة ولا نسك. ولا صدقة. ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه أية. وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز. يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة : لا إله إلا الله. فنحن نقولها ) فقال له صلة: ما تغني عنهم: لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة. ثم رددها عليه ثلاثا. كل ذلك يعرض عنه حذيفة. ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: ياصلة  تنجيهم من النار ثلاثا. رواه بن ماجه والحاكم وغيرهما وصححه الألباني انظر حديث رقم ( 8077 ) في صحيح الجامع وعن شداد بن معقل أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : لينتزعن هذا القرآن من بين أظهركم 0 فقال له شداد: يا أبا عبدالرحمن كيف ينتزع  وقد أثبتناه في صدورنا وأثبتناه في مصاحفنا ، فقال يسرى عليه في ليلة فلا يبقى في قلب عبدٍ منه ولا مصحف منه شيء ويصبح الناس فقراء كالبهائم ثم قرأ عبدالله { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا } رواه الطبراني في المعجم الكبير وصحح إسناده بن حجر في الفتح ( 13/16) وهذا لا يقال مثله بالرأي فله حكم الرفع0

وقيل إن معنى قولهم ( وإليه يعود ) أي أن الكلام صادرٌ من الله عز وجل فمرجع التكلم به إليه لا إلى غيره 0 وكلا المعنيين صحيح 0







(( إختصار مذهب الطوائف في القران وتوضيح الفروقات بينها  ))



مذهب الجهمية والمعتـزلة أن القرآن مخلوق وتقدم كلامهم والرد عليه 0



وقول الكلابية والأشاعرة أن القرآن نوعان: ألفاظ ومعاني، فالألفاظ مخلوقة وهي هذه الألفاظ الموجودة في القران لأنها لفظ جبريل أو محمد عليهم الصلاة والسلام ، والمعاني قائمة في نفس الرب جل وعلا لم يتكلم بها إنما حكى أو عبر عنه بها جبريل أو محمد عليهم الصلاة والسلام وهي معنى واحد لا تتبعض إن حكي أو عبر عنه بالعربية كان قرآناً ، وإن حكي أو عُبر عنه بالعبرية كان توراة ، وإن حكي أو عبر عنه بالسريانية كان أنجيلاً ، وهم يطلقون على القران أنه كلام الله لكنهم يريدون المعنى المجازي لا أن الله تكلم به حقيقة  ويقولون إن كلام الله لا يتعلق بمشيئتة وقدرته فلا يتكلم الله عز وجل عندهم متى شاء كيفما شاء وإنما كلامه معنىً قديمٌ في نفسه ثابتٌ لا يتغير وإنما يختلف باختلاف لغة الحاكين أو المعبرين عنه فإن حكوه أو عبروه عنه بالعبرية كان توراةً 00الخ والماتريدية مثلهم أو قريباً منهم 0



والفرق بين الكلابية والأشاعرة /

1-أن الكلابية وهم اتباع محمد بن سعيد بن كلاب يقولون المعنى القائم بنفس الرب جل وعلا أربعة معان ( خبرٌ واستخبار وأمرٌ ونهي ) وقال الأشاعرة أتباع أبي الحسن الأشعري هو معنىً واحد ومؤداه بأربعة معان أي أن جبريل ومحمد عليهما الصلاة والسلام هم الذين أدوه بأربعة معانٍ وإلا فإن المعنى القائم بنفس الرب هو معنىً واحد لا يتجزأ لأنه لو تجزأ لأشبه كلام المخلوقين كذا يقولون ، والحقيقة أن هذا لا يقول به عاقل فكيف يكون الأمر هو بعينه النهي وهو الخبر وأن معنى قوله تعالى (( ولا تقربوا الزنى )) هو بعينه معنى قوله تعالى (( وأقيموا الصلوة )) ولكنه الهوى إذا أشربه قلب صاحبه جعله يقول الأعاجيب ويخترع الضلالات دفاعاً عنه 0



2-الكلابية يقولون : القران حكايةٌ عن كلام الله والأشاعرة يقولون : هو عبارةٌ عن كلام الله 0 والفرق بين الحكاية والعبارة أن حكاية القول أي تقليده تماماً فالكلابية يقولون إن جبريل أو محمد عليهما الصلاة والسلام أدوا كلام الله طبق ما هو موجودٌ في نفس الله الحروف والمعاني ، وأما العبارة عند الأشاعرة فمعناها أن جبريل أو محمد عليهما الصلاة والسلام عبرا المعنى القائم في نفس الرب جل وعلا بألفاظٍ من عندهما فلا يلزم المطابقة في اللفظ وإنما في المعنى 0



الفرق بين المعتزلة والأشاعرة /

( قال بن عثيمين : الفرق بين المعتزلة والأشاعرة أن المعتزلة يقولون ما في المصحف هو كلام الله لكنه خلقه في المصحف ولم يتكلم به ، والأشاعرة يقولون ليس هو كلام الله وإنما هو عبارة عن كلام الله وليس هو نفس اللفظ والمعتزلة يقولون إنه نفس اللفظ لكنه غير ملفوظ وإنما مخلوق )



ومذهب الاتحادية / أن كل كلام في الوجود هو كلام الله نظمه ونثره وحقه وباطله وسحره وكفره والسب والشتم 00الخ



ومذهب الكرامية / أنه كلام الله بحرفٍ وصوت لكنه حادث ( بمعنى أنه ليس من صفات الذات بل من صفات الفعل ) ففارقوا أهل السنة في هذا لأن أهل السنة يقولون هو صفة ذاتٍ وفعل فمن صفات الله الذاتية أنه متكلم ومن صفاته الفعلية أنه يتكلم متى شاء مع من يشاء كيفما يشاء  0



ومذهب السالمية / أن الكلام بحرفٍ وصوت لكنه قديم ( بمعنى أنه صفة ذات لا صفة فعل ) فهو عكس قول الكرامية تماماً والرد عليهم كالرد على الكرامية وزادوا على الكرامية بقولهم إن الحروف تخرج جميعاً بصوتٍ واحد فقوله تعالى (( أنلزمكموها )) خرجت الألف مع النون مع الام مع الزاي 00000الخ جميعاً وليست متتابعة لأنا لو قلنا بالتتابع لقلنا بالحدوث وقيام الحوادث في ذات الله ممتنع 0 والصحيح أن قولهم هو الممتنع فلا يدرك عقلاً ولم يرد شرعاً أن الحروف تخرج جميعاً بلا تتابع 0



ومذهب الفلاسفة / أنه معانٍ فاضت على نفوسٍ زكية بحسب استعدادها وقبولها فيوجب لها تصورات وتصديقات بحسب ما قبلته منه والفرق بين التصور والتصديق أن في التصور يعرف الإنسان الصورة وأما في التصديق فلا يعرف الصورة ولكن يحكم عليها 0

وهذه كلها خيالات وفلسفات تبعد المسلم عن اليقين وعن حلاوة الإيمان بالله والتلذذ بكلامه  وتوقعه في الإثم ، وكل ذلك ضلال وزيغ . وهذه الفرق استهانت بالقرآن وجرأت على تأويله على غير التأويل الشرعي وجرأت على القول بأن القرآن مجازات وأنه معاني غير مقصودة وأنه إشارات ورموز باطنية لا يعلمها إلا قلةً ممن ينتخبونهم فلم يعد كتاب هدىً للبشرية عندهم بل صرَّح بعضهم بأن ظاهر القران كفر وأنه فتنةٌ وضلال والعياذ بالله فانظر كيف تدرج بهم الشيطان حتى أوقعهم في الضلال المبين والانحراف عن الصراط السوي المستقيم 0











((  جواز التفضيل بين سور وآيات القران  ))

يجوز التفضيل بين آيات وسور القران بحسب ما ورد في النصوص ومن ذلك ما يلي :

1-عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال : كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي ، فقال: ألم يقل الله تعالى ( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم ) (لأنفال: من الآية24) ( ثم قال لي لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له : ألم تقل ( لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ؟ فقال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) رواه البخاري



2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ ( قل هو الله أحد ) يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن)  رواه البخاري



3-عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال :  قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس فأقرأني قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ) فأقيمت الصلاة فتقدم فقرأ بهما ثم مر بي فقال ( كيف رأيت يا عقبة بن عامر اقرأ بهما كلما نمت وقمت ) رواه أبو داود والنسائي وحسن  إسناده الألباني



4-عن أبيُّ بن كعب  رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال : قلت الله ورسوله أعلم ، قال يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم قال قلت : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) قال فضرب في صدري وقال ( والله ليهنك العلم أبا المنذر ) رواه مسلم وغير ذلك 0

 ((  المحكم والمتشابه في القران  ))

الإحكام له معنيان :

المحكم بالمعنى العام / أي المتقن في ألفاظه ومعانيه وأحكامه وأخباره الذي لا يحتمل الكذب ويميز به بين الحق والباطل قال تعالى{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (1) سورة يونس وقال تعالى (( كتابٌ أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيمٍ خبير  )) سورة هود 1 فالقران كله محكم بهذا المعنى العام 0

والمحكم بالمعنى الخاص / قيل هو ما عرف المراد منه وقيل هو ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً وقيل هو ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان ( مباحث في علوم القران للقطان ص221 )



والتشابه له معنيان :

التشابه بالمعنى العام / أن بعضه يشبه بعضًا في أوامره وزواجره وأخباره وأمثاله فلا اضطراب بين آياته  بل يصدق بعضه بعضًا ، ويوافق بعضه بعضًا ، فهو متشابه في الكمال والحسن والبلاغة والإعجاز والإتقان 0

التشابه بالمعنى الخاص /  قيل هو ما استأثر الله بعلمه وقيل هو ما احتمل أكثر من وجه وقيل هو ما يحتاج إلى بيانٍ برده إلى غيره ( مباحث في علوم القران للقطان ص221 )

فتبين بهذا أن التشابه الخاص ليس وصفًا للقران وإنما هو وصفٌ لبعض قراءه  وذلك لقلةٍ في العلم وضعفٍ في الفهم ، والواجب أن يُرَدَ المتشابه إلى المحكم لا أن تضرب الأدلة بعضها ببعض  قال تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} (7) سورة آل عمران  وعن عائشة  رضي الله عنها  قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ثم قال ( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم ) متفق عليه

((   خطط الكفرة والمبتدعة للصدِّ عن كتاب الله   ))

أما الكفرة من اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم فلا شك أنهم أعداءٌ لله ورسوله وكتابه وسيسعون جاهدين للصد عن سبيل الله كما قال تعالى ((يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة:32) وقال تعالى (( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف:8) ومن أقوالهم :

1-أن هذا القران من اختراع النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (5) سورة الفرقان ولو كان من اختراعه كما يقولون لما تباطأ في الذب عن عرضه حين أتهم ، وكذا في قصة أصحاب الكهف وفي وقائع كثيرة حتى قال الكافرون في بعضها قد ودعه ربه وقلاه فأنزل الله ((ما ودعك ربك وما قلى)) وقد ورد في القران عتابٌ للنبي صلى الله عليه وسلم كما في سورة عبس وفي فداء الأسرى يوم بدر وفي الإذن للمتخلفين في غزوة تبوك وغيرها فهل يصلح أن يعاتب نفسه ، ولقد كانوا يلقبونه بالصادق الأمين لصدقه وأمانته فكيف يترك الكذب عليهم ويكذب على رب العالمين ، ثم كيف عجزوا عن الإتيان بمثله لو كان كلامه وهو بشرٌ مثلهم 0

2-أنه تلقاه عن حدادٍ رومي كان بمكة  كما قال تعالى {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (103) سورة النحل

3-إحداث أصوات مزعجة لئلا يسمع الناس القران كما قال تعالى (( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت:26)


وأما المبتدعة من الجهمية والمعتزلة فقد صدوا اتباعهم كذلك عن الانتفاع بالقران وقالوا ليس هو كلام الله وإنما هو مخلوق وقال الأشاعرة والكلابية والماتريدية ليس هو كلام الله الحقيقي إنما هو حكاية أو تعبير عن كلام الله ، ولا شك أن في هذه الأقوال تقليلٌ من قدر القران وصدٌ عن التلذذ بقراءة كلام الرحمن إذ فرقٌ بين أن يقال لك هذا كلام الله أو يقال هذا من مخلوقات الله أو كلام مخلوقٍ حكى أو عبر عن مراد الله 0

ثم جاء أخبث منهم  وأشد في ذلك ألا وهم الشيعة الباطنية فإنهم قالوا بتحريف القران فلما رأوا أن الناس قد نفروا منهم لأن اليهود والنصارى لا يرضون أن يقول أحدٌ عن كتابهم أنه محرف فكيف بالمسلمين فالقول بتحريف القران نسف وإبطالٌ للدين فإذا كان أعظمُ كتابٍ في هذا الدين محرف وفيه أباطيل فهذا الدين محرف وفيه أباطيل فلا يصلح ديناً ، فهذا القول من أشنع ما يكون وأبطله ولا يقبله مسلمٌ عنده ذرةٌ من عقل ، فلما رأوا أن الناس قد تركوهم ، رجعوا عن القول بالتحريف واتخذوا قولاً آخر يمكن أن يندرج على الحمقى والمغفلين وهو القول بأن للقران تفسيراً باطناً غير هذا التفسير الظاهر ثم إن هذا التفسير الباطن لا يعلمه إلا الأئمة أو من ينوب عنهم في الغيبة ، فيحرِّف تفسير القران على ما يوافق مذهبه الباطل فمثلا قول الله تعالى (( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة:158) فتفسيرها يفهم بمعرفة سبب النزول وذلك أن المشركين قبل الفتح كانوا قد جعلوا صنماً على الصفا وآخر على المروة فكان طوافهم حول الصفا والمروة لهذين الصنمين فلما أُمِرَ المؤمنون بالحج والعمرة تحرجوا من الطواف بالصفا والمروة لما كان فيهما من الأصنام فأخبرهم المولى جل وعلا أن الطواف بالصفا والمروة هو في الأصل من شعائر دين الله ولا يضركم ما أحدثه المشركون من الأصنام فلا حرج عليكم أن تطوفوا بهما ، فهذا هو تفسيره عند أهل السنة وهو يوافق ظاهر الآيات وواضحٌ من سياقها بعد معرفة سبب النزول ، ولكن جاء المبتدعة من الشيعة الباطنية وقالوا لا ليس تفسيرها هكذا إنما هذا تفسير أهل السنة الجهلة الذين لايعرفون بواطن التفسير إنما تفسيرها (( إن الصفا والمروة )) علي وفاطمة (( من شعائر الله )) من دينه أي ينبغي أن تتقربوا إليهم وتستشفعوا بهم عند الله وقالوا مثل ذلك في تفسير قول الله تعالى (( مرج البحرين يلتقيان )أي علي وفاطمة (( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان )) أي الحسن والحسين 0 ومن تأويلاتهم الضالة قالوا الجبت والطاغوت: أبو بكر وعمر  ، والمستقر والمستودع الأئمة النطقاء ، وبسم الله الرحمن الرحيم  الأئمة السبعة ، وما من دابة في الأرض قالوا: هذه دعاتهم ، والصوم كتمان علم الباطن وأسرار الأئمة ، والحج السفر إلى مشايخهم ونحو ذلك مما  لا يرد في ذهن عاقل ، وتفسيراتهم هذه لا تصلح لا لغةً ولا عرفاً ولا شرعاً ولا على أي اعتبار، لكن المسألة عندهم مسألة انتصار للمذهب وقلب للمفاهيم  فجعلوا الإيمان كفراً والكفر إيماناً وجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً، نكسوا وقلبوا المعاني وسموه علم الباطن وإنما هو علم الباطل والكفر والزندقة التي يدينون بها 0



ثم جاء العلمانيون بتفسيرٍ جديد  ففسروا قوله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب قالوا الجلباب هو ما يغطي من الجسد ما يتكون من جلدتين كالإبطين والثديين والفرجين ليجيزوا للمرأة كشف ما عداه ، وقالوا إن الحدود كقطع السارق ورجم الزاني ونحوها إنما تصلح للمجتمع الوحشي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أما نحن الآن في عصر التقدم والحضارة فلا تناسب مثل هذه الحدود ، وقال بعضهم إنما جعلت في ذلك الزمن لقلة المادة ولعدم وجود السجون ونحوها فشرعت للتخلص من المجرمين أما الآن فهناك سجون وعقوبات متنوعة هي أجدى وأنفع من الحدود بزعمهم ، وقالوا إنما حرم الخنزير في ذلك العصر لكونه يأكل النجاسات وأما الآن فيربى في الحدائق البهية ويطعم من المأكولات النظيفة ولذا يحل أكله ، وقالوا إن الصلاة إنما شرعت لأن ذلك المجتمع لم يكن يعرف الرياضة والإنتظام فشرعت تنظيماً لوقتهم ورياضةً لأبدانهم وأما الآن فالناس يمارسون أنواع الرياضة وأوقاتهم منظمة فلا يحتاجون إلى الصلاة ، وأما الحج فيمكن للشخص أن يطوِّف عقله في مجال المعرفة فيكفيه عن السفر والتطوف حول الكعبة وهكذا من الخزعبلات التي يقولونها ويسمونها التفسير الجديد للنصوص ، وهذا كله من الكفر والضلال ، فينبغي الحذر من تفسير أهل الضلالة فإنهم لمَّا عجزوا عن تحريف ألفاظ القران عمدوا إلى تحريف معانيه وتفسيره بما يناسب أهوائهم 0



فينبغي على المسلم ألا يقبل التفسير إلا من أهل العلم الراسخين في العلم الموثوقين ديانةً وأمانة وألا يتلقف تفسير كل من تكلم في النصوص بعقله أو هواه أو أخذ بطرفٍ منها بغير علم كالخوارج حين انكروا الشفاعة لقوله تعالى {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (48) سورة المدثر ونسوا أن يضموا إليها بقية النصوص التي تثبت الشفاعة ليعلموا أن المراد بالآية الكافرين دون عصاة الموحدين ، وهكذا حكموا بخلود أصحاب الكبائر ومثلهم كثير من أهل البدع فينبغي التثبت فيمن يقبل تفسيره 0





































(((    الأصل الثاني للتلقي عند أهل العقيدة الصحيحة ( السنة )   ))

السنة / لغةً : الطريقة وأصلها من قولهم : سننت الشيء بالمسن إذا أمررته عليه حتى يؤثر فيه سناً أي طريقاً قال الخطابي : أصلها الطريقة المحمودة فإذا أطلقت انصرفت إليها وقد يستعمل في غيرها مقيدة كقوله صلى الله عليه وسلم ( من سن سنة سيئة ) ( انظر إرشاد الفحول للشوكاني )

اصطلاحاً / أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته عند الأصوليين وزاد المحدثين وصفاته الخُلُقِية والخِلْقية

وعند الفقهاء / السنة : ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها

وتطلق على ما يقابل البدعة فيقال : فلان سني أو على السنة أو من أهل السنة .



((  حكم ترك الاحتجاج بالسنة بحجة أن القران يكفي ))

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أَلا إِنِّي أُوتِـيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَـرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني انظر حديث رقم ( 2643 ) في صحيح الجامع وقد روى عن علقمة عن عبد الله بن مسـعود رضى الله عنه أنه قال : ( لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصـات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ، قال علقمة : فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن ، فأتته فقالت : ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغـيرات خلـق الله ، فقـال عبد الله : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ، فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ، فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، قال الله عز وجل  { وَمـَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر/7] فقالت المرأة : فإني أرى شيـئا من هذا عــلى امرأتك الآن ، قال : اذهـبي فانظري ، قال : فدخلت على امــرأة عبد الله فلم تر شيئـا ، فجاءت إليه فقالـت : ما رأيت شيئا ، فقال : أما لو كان ذلك لم نجامعها ) متفق عليه



((   طريقة أهل الباطل في صد اتباعهم عن السنة   ))

لقد سعى الضلّال في صد اتباعهم عن السنة بطرقٍ شتى فمن ذلك :



1-القول أن رواتها مجروحين وأنهم ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفروا بعد إسلامهم ولا يقبل من كافرٍ رواية ، وهو قول الروافض ومن سار على منهجهم ويقال لهم : يلزمكم على هذا القول أن لا تقبلوا القران لأن نقلته هم نقلة السنة ، وهذا من أبطل القول وأفسده فلا يلتفت إليه 0



2-القول أنها أخبار آحاد وأخبار الآحاد تفيد الظن ولا ينبغي العمل بالظنون 0

والجواب / أن هذا القول باطلٌ أيضاً لأن معظم السنة أخبار آحاد والمتواتر منها قليل وفي ذلك اطراحٌ للسنة ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث الآحاد إلى الملوك وإلى الناس يخبرهم بأمر الله وأمر رسوله ولو كان خبر الآحاد غير مقبولٍ لبعث ما يبلغ حد التواتر ولطلب الناس ذلك فلمَّا لم يفعل ولم يطلب الناس ذلك تبين أن خبر الآحاد مقبول ، والله جل وعلا بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام آحاداً إلى أقوامهم وألزم الناس بطاعتهم ، فتبين أن خبر الواحد الثقة يلزم قبوله 0

ملاحظة / اختلفوا متى يبلغ الخبر حد التواتر ويزول عنه وصف الآحاد فقيل أربعين وقيل فوقه وقيل دونه ، ويلزم أن يكون هذا في كل الطبقات ، فلو قدِّر أنا وجدنا حديثاً قد رواه تسعة وثلاثون تابعياً عن مثلهم من الصحابة لم يقبل عندهم لأنه خبر آحاد لم يبلغ حد التواتر وكذا لو رواه ألف تابعي عن تسعةٍ وثلاثين صحابي لم يقبل لأن طبقة الصحابة لم تبلغ حد التواتر فالخبر حينئذٍ عندهم خبر آحادٍ لا يقبل فسبحان الله هل هذا إلا إسقاطٌ للسنة 0

والأشاعرة وغيرهم من أهل الكلام يردون السنة بحجة أنها خبر آحاد ثم يستدلون على تحريفهم للنصوص بأبيات نسبوها للأخطل وهي كذب لم ينقلها الثقات عنه ، ولا تعرف في ديوان ، وعلى فرضية صحتها فإنها خبر آحاد ، وهل خبرٌ ينقل عن الأخطل النصراني أولى بالقبول من خبرٍ ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيا عجباً لهذه العقول ، على أن الأخطل ليس عربياً وإنما هو من المولدين فأصله نصراني وقد ورد ما يدل على بقاءه على نصرانيته فهو القائل :

ولـست بقائمٍ كالعير يدعو      قبيل الصبح حي على الفلاح

ولست بصائمٍ رمضان طوعاً      ولست بآكلٍ  لحم الأضاحي

ولست بسائقٍ  عيساً بكوراً       إلى بطحـاء  مكة  للنجاح

ولكني  سأشـربها  شمـولاً      وأسجد عند  منبلج  الصباح



3-القول أن المتواتر من الأحاديث ظني الدلالة ولو كان قطعي الثبوت بخلاف العقل فإنه قطعي الدلالة قطعي الثبوت فيقدم على الأدلة من الكتاب والسنة 0

وبهذا نسفوا المتواتر أيضاً فلم يبق للسنة عندهم أي قيمة ، وهذا من الضلال المبين الذي يلبِّسون به على السذج من اتباعهم 0



4-القول أن عند أئمتهم ما يغني عنها وأنهم يتلقون عن الله مباشرة وأن أئمتهم معصومون من الخطأ ولذا كل قولهم صواب ولو ضاد الكتاب والسنة 0 وهذا لا يلتفت إليه عاقل 0











الإيمان والكفر



















((   تعريف الإيمان وأركانه  ))

الإيمان لغة: هو التصديق

وشرعاً: هو الاعتقاد بالجنان والقول باللسان والعمل بالجوارح والأركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان 0 ولا تكتمل حقيقة الإيمان شرعاً إلا بأن نجمع بين الاعتقاد والقول والعمل 0



وأركان الايمان هي / الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره ودليله حديث جبريل عليه السلام وفيه قال ( فأخبرني عن الإيمان ) قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) قال ( صدقت ) متفق عليه

*  *  *

((   الأدلة على أن الإيمان قولٌ وعملٌ واعتقاد  ))

1-دليل أنه اعتقاد بالقلب  قوله تعالى ( وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (الحجرات: من الآية14) وقوله تعالى ( أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ  مِنْهُ ) (المجادلة: من الآية22) وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) (المائدة: من الآية41) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( يا معشر من أسلم  بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه ). رواه الترمذي وصححه الألباني انظر صحيح الجامع حديث رقم ( 7985 )





2-دليل أنه قولٌ باللسان  قوله تعالى ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ.........) الآية (البقرة:136) وقال تعالى ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (آل عمران: من الآية64) وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (13) سورة الأحقاف وقال صلى الله عليه وسلم لسفيان بن عبد الله ( قل آمنت بالله ثم استقم ) رواه مسلم وغيره وعن بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الإيمان بضع وستون أوقال بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله 000  ) الحديث متفق عليه فأمر الشارع بالقول ولم يكتف بمجرد ما في القلب 0



3- دليل أنه عملٌ بالجوارح قوله تعالى ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) (البقرة: من الآية143) أي صلاتكم فعن بن عباس رضي الله عنهما قال :  لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا يا رسول الله فكيف الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى (( وما كان الله ليضيع إيمانكم )) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني وعن ابن عباس أيضاً في حديث وفد عبد القيس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأربع أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال ( أتدرون ما الإيمان بالله وحده ) قالوا الله ورسوله أعلم ، قال ( شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس ) متفق عليه  وهذه كلها أعمال جوارح وقد سماها الشارع إيماناً ، وقال عليه الصلاة والسلام ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم فجعل تغير المنكر ومجاهدة أصحابه باليد واللسان من الإيمان وهي أعمال جوارح 0 وإجماع السلف على ذلك ( انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي )



*  *  *









((  سبب عدم ذكر المتقدمين من علماء أهل السنة الإعتقاد بالجنان ))



لأن الإعتقاد بالجنان معناه النية وهي داخلةٌ في كل ما يتعبد به إلى الله إذ العمل بلا نيةٍ باطل قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى ) متفق عليه وإنما ذكرها المتأخرون لأن من الطوائف المبتدعة من أخرج النية وقال إن مجرد المعرفة تكفي فمن عرف الله فهو مؤمن ، وهذا من أبطل الباطل إذ فيه إبطالٌ للشرائع والرسالات فعادٌ وثمود وقوم صالحٍ وقوم لوط وفرعون وهامان وكفار قريش بل وحتى إبليس وجنوده وجميع الكفار كلهم يعرفون الله عز وجل ومن جحده منهم إنما جحوده عن عنادٍ واستكبار مع إقراره به في الباطن فعلى القول أن الإيمان هو المعرفة فيكون هؤلاء مؤمنون ويكون إرسال الرسل وإنزال الكتب وقيام الجهاد وسوق الجنة والنار كله عبث لا فائدة فيه فكل الناس مؤمنون 0 وهذا لا يقوله من عنده ذرةٌ من عقلٍ أو إيمان 0



وقد بيَّن كثيرٌ من العلماء أن قول السلف ( الإيمان قولٌ وعمل ) معناه  : قول القلب واللسان ، وعمل القلب والجوارح 0

فالقول يطلق على أمرين: قول القلب ، وقول اللسان. والعمل يطلق على أمرين: عمل القلب ، وعمل الجوارح 0

فقول القلب / هو اعتقاده وتصديقه 0

وقول اللسان / نطقه وإقراره بلسانه بما يعتقده في قلبه 0

وعمل القلب / الإخلاص والمحبة والرضا الإنابة والخوف والرجاء ونحوها من أعمال القلوب التي يقتضيها هذا الاعتقاد 0

وعمل الجوارح / فعل المأمورات وترك المنهيات التي سببها هذا الاعتقاد 0







قال تعالى (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) أي صدق به في قلبه فكأنه يقول في قلبه صدقت فلذا سمي قول القلب ، ثم يظهر أثر هذا التصديق على قلبه فيحب ويبغض ويرجو ويخاف ويوقن ويخلص وفق هذا المعتقد فهذا عمل القلب ،  ثم ينطق بلسانه بما يوافق هذا المعتقد فذا قول اللسان ، ويظهر على جوارحه فيعمل بما يقتضيه هذا الإيمان من طاعة الرحمن واجتناب العصيان فذا عمل الجوارح وفي حديث {الإيمان بضع وسبعون أو بضعٌ وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان }رواه البخاري ومسلم فالأولى قول اللسان والقلب والثانية عمل الجوارح والثالثة عمل القلب



تنبيه / عمل الجوارح يشمل أمرين : عمل اللسان وعمل بقية الأعضاء 

فعمل اللسان ما لا يؤدى إلا به كتلاوة القرآن وسائر الأذكار من التسبيح والتهليل والتكبير والدعاء والاستغفار وغير ذلك 0 وعمل بقية الجوارح ما يستلزم حركاتٍ بها كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج والجهاد وترك المنهيات كالزنا والسرقة والربا ونحوها 0 فهذه كلها من عمل الجوارح وهي داخلةٌ في الإيمان لا تنفصل عنه 0

















(( قول المرجئة في الإيمان  ))

قد أخرجت المرجئة أعمال الجوارح من الإيمان وقالوا ( لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة ) وعليه فإن إيمان جبريل ومحمد عليهم الصلاة والسلام عندهم كإيمان أفسق الموحدين صاحب الكبائر إذ الأعمال ليست من الإيمان 0 وهذا ظاهر البطلان 0

ولا يصح القول أن العمل شرط كمالٍ في الإيمان إذ الشرط يكون خارج المشروط ولا أنها  من لوازم الإيمان أو من مقتضى الإيمان أو هي دليل على الإيمان إذ كل هذه من أقوال المرجئة الذين يخرجون الأعمال من الإيمان ثم يلبِّسون على أهل السنة بمثل هذه الأقوال ، فالأعمال من الإيمان وهي جزءٌ لا يتجزأ منه لا يتم إلا بها 0

ومن أقوال المرجئة ( الأعمال والأقوال دليلٌ على ما في القلب من الاعتقاد ) ومنها ( لا كفر إلا باعتقاد ) أو ( لا كفر إلا بجحود واعتقاد ) يريدون أن أعمال الجوارح لا فائدة فيها فلا ينفع فعل الطاعات وترك المحرمات ولا يضر ترك الطاعات وفعل المحرمات إذ الإيمان والكفر هو في الاعتقادات دون أعمال الجوارح 0

وعند أهل السنة الأعمال من الإيمان وعليه فمن ترك الأعمال بالكلية بلا عذرٍ فليس بمؤمن بل هو كافر ، وأما الأحاديث التي تثبت أن أقواماً يدخلون الجنة لم يعملوا خيراً قط في أحاديث الشفاعة وحديث البطاقة وغيرها وكقوله صلى الله عليه وسلم ( أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أونفسه ) رواه البخاري وكقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) متفق عليه ‌ فالمراد بها من ترك العمل لعذرٍ شرعي ولم يتمكن منه حتى مات ، فهذا معذور وعليه تحمل هذه الأحاديث كرجلٍ أسلم ونطق بالشهادتين معتقداً لهما مخلصاً لله عز وجل ثم مات في الحال ولم يتمكن من العمل فهذا يعذره ربه عز وجل ويدخله الجنة برحمته ، وأما من يترك الأعمال بالكلية بلا عذر فكيف يكون مؤمن إذ لا يمكن أن يتكلم بكلمة التوحيد عن صدقٍ وإخلاص ثم لا يصلي أبداً وهو قادر ولا يصوم ولا يحج ولا يزكي فهذا دليلٌ على عدم إخلاصه وعدم صدقه وأن قلبه ليس مستيقناً بكلمة التوحيد ولو كان قلبه مستيقناً بها لعمل بكل ما تتطلبه هذه الكلمة ، وقد وردت النصوص تبين أنه لا بد من القيام بالأعمال وأنه لا يستقيم الدين بلا أعمال كقوله تعالى{ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) سورة الكهف وقوله تعالى{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23) سورة الجاثية ومن ترك الأعمال بالكلية فقد اتخذ الهه هواه إذ قدَّم طاعة هواه على طاعة مولاه وقال تعالى {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} (77) سورة التوبة فهؤلاء عاقبهم الله لتركهم الصدقة وهي من الأعمال وقال تعالى{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء وقال تعالى {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (14) سورة النساء وقال تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (70) سورة الفرقان ونحوها من أدلة الوعيد التي رمى بها المرجئة عرض الحائط 0 وقد عدَّ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب من نواقض الإسلام الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به واستدل بقوله تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ} (3) سورة الأحقاف فهذه الأدلة وغيرها مما لم نذكرها تدل على أن الأعمال من الإيمان وأن تركها خروجٌ عن الإيمان ، فيجب ضم الأدلة بعضها إلى بعض وأما الذين يستدلون ببعض الأدلة ويعرضون عن بعض فأولئك ينطبق عليهم قوله تعالى { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (85) سورة البقرة وقوله تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} (7) سورة آل عمران وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ) متفق عليه وأما أهل الحق فإنهم يردون المتشابه إلى المحكم ويفسرونه به جمعاً بين النصوص وإيماناً بالكتاب كله 0



((   الخلاف مع مرجئة الفقهاء  ))

المرجئة طائفتان /

الأولى / المرجئة الخلص وهم الذين يخرجون العمل من الإيمان ويرون أنه لا ينفع فعل طاعة ولا يضر فعل معصية وهؤلاء هم الذين تقدم الرد عليهم 0

الثانية / مرجئة الفقهاء وهم الذين يخرجون العمل من مسمى الإيمان لكنهم يرون وجوبه وأن ترك الطاعة وفعل المعصية فيه ضررٌ على صاحبه ، وقد سار على هذا القول بعض الأحناف رحمهم الله وعفا عنا وعنهم 0

وقد عدَّ بعض العلماء أن هذا الخلاف لفظيٌ لاتفاقهم مع الجمهور أن المسلم إذا فعل الواجبات أثيب عليها وإذا ترك شيئاً من الواجبات أو فعل المحرمات فإنه يأثم ويستحق العقاب 0

والحقيقة أن الخلاف ليس بلفظي لأمور /

1- أن مرجئة الفقهاء لم يتأدبوا مع ألفاظ النصوص  فقد وردت النصوص تبين أن الأعمال داخلةٌ في الإيمان كقوله تعالى  ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ) (2-4) سورة الأنفال فبين الله تعالى أن هذه الأعمال كلها من الإيمان ومنها ما هو من أعمال الجوارح وقال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (62) سورة النــور فجعل الاستئذان من الإيمان وهو من أعمال الجوارح وقال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (15) سورة الحجرات فجعل الجهاد من الإيمان وهو من أعمال الجوارح وقال تعالى {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء فجعل التحاكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان وهو من أعمال الجوارح وعن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث وفد عبد القيس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأربع أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال ( أتدرون ما الإيمان بالله وحده ) قالوا الله ورسوله أعلم ، قال ( شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس ) متفق عليه  وهذه كلها أعمال جوارح وقد سماها الشارع إيماناً ، وقال عليه الصلاة والسلام ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم فجعل تغير المنكر ومجاهدة أصحابه باليد واللسان من الإيمان وهي أعمال جوارح 0 وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال  ( الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة ) وفي رواية البخاري  ( بضعٌ وستون شعبة فأعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) فأعلى شعب الإيمان كلمة التوحيد وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وبينهما شعب متفاوتة منها ما يقرب من شعبة الشهادة ومنها ما يقرب من شعبة الإماطة ، فالصلاة شعبة والحج شعبة والزكاة شعبة والصوم شعبة وبر الوالدين شعبة وصلة الأرحام شعبة والجهاد في سبيل الله شعبة والأمر بالمعروف شعبة والنهي عن المنكر شعبة والإحسان إلى الجار شعبة وغير ذلك وقد أدخلها النبي صلى الله عليه وسلم كلها في مسمى الإيمان فكيف يقال إن الأعمال خارجة عن مسمى الإيمان ، فجمهور أهل السنة تأدبوا مع النصوص وأدخلوا الأعمال في مسمى الإيمان ومرجئة الفقهاء وافقوا النصوص في المعنى لكن خالفوها في اللفظ 0



2-أنهم فتحوا باباً للمرجئة الخلص  فحين قال مرجئة الفقهاء : الأعمال ليست من الإيمان وإن كانت واجبة 0 قال المرجئة الخلص : بما أنها ليست من الأيمان وأن من تركها لا ينتفي عنه الإيمان فإذن لا يضر تركها فليست بواجبة 0



3-أنهم  فتحوا باباً للفُسَّاق والعصاة فلما قال مرجئة الفقهاء : إن العمل ليس من الإيمان وأن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص 0 قال الفساق : بما أن الإيمان واحد لا يزيد بالطاعة ولا ينقص بالمعصية فلماذا نفعل الطاعة ونتجنب المعصية فلنقتحم الكبائر ولنجتنب الطاعات فإن إيماننا لا يتأثر بالأعمال فليست داخلةً فيه ولا يزيد إيماننا  ولا ينقص فسيظل إيماننا مهما ارتكبنا من الموبقات وتركنا من الفرائض والواجبات كإيمان جبريل ومحمد عليهم الصلاة والسلام وكإيمان أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما وهذا من أبطل الباطل 0



4-أن مرجئة الفقهاء يمنعون الاستثناء في الإيمان وهو قول القائل ( أنا مؤمن إن شاء الله ) لأن الإيمان عندهم شيء واحد هو التصديق ، فيقولون : أنت تعلم أنك مصدِّق بالقلب فكيف تقول : أنا مؤمن إن شاء الله. إذاًََ أنت تشك في إيمانك ، ولهذا يسمون المؤمنين الذين يستثنون في إيمانهم الشكَّاكة . وأما جمهور أهل السنة فإنهم يفصِّلون فيقولون : إن قال القائل ( أنا مؤمن إن شاء الله ) يقصد الشك في أصل إيمانه فهذا ممنوع ؛ لأن أصل الإيمان التصديق ، وأما إن نظر إلى الأعمال والواجبات التي أوجبها الله والمحرمات التي حرمها الله ورأى أن شعب الإيمان متعددة والواجبات كثيرة فالإنسان لا يزكِّي نفسه ولا يقول بأنه أدّى كل ما عليه بل يتهم نفسه بالتقصير وحينئذٍ يقول ( أنا مؤمن إن شاء الله ) لما يعلم من تقصيره في جنب الله فهذا لا بأس به بل هو حسن لأن فيه بعداً عن العجب المحبط للعمل . وكذلك إذا أراد عدم علمه بالعاقبة وأن العاقبة لا يعلمها إلا الله ، وكذلك إذا أراد التبرك بذكر اسم الله 0 وبهذا يُعلم أن الخلاف ليس بلفظي 0



((   الأدلة على أن الإيمان يزيد وينقص  ))

مذهب أهل السنة أن الإيمان يزيد حتى يبلغ كماله إذا جاء العبد بموجبات زيادته , وينقص حتى ينتهي كله إذا جاء العبد بموجبات نقصانه ، وهذا ما تواترت به الأدلة قال تعالى ((  وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً )) (المدثر: من الآية31) وقال تعالى {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ } (4) سورة الفتح وقال تعالى ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ) (الأنفال: من الآية2) وقال تعالى{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } (124) سورة التوبة وقال تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (173) سورة آل عمران وقال النبي صلى الله عليه وسلم  ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه الألباني انظر حديث رقم ( 1578 ) في صحيح الجامع  وقال عليه الصلاة والسلام ( من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان ) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني انظر حديث رقم (5965) في صحيح الجامع وقال عليه الصلاة والسلام ( الطهور شطر الإيمان ) رواه مسلم  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليَّ وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك وعرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميصٌ يجره) قالوا فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال ( الدين ) متفق عليه 



وأما نقصان الإيمان فأدلته ما تقدم لأن كل ما يقبل الزيادة فإنه يقبل النقصان ، وأيضاً فقد قال صلى الله عليه وسلم ( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة ) متفق عليه ‌والمراد بالخير هنا الإيمان كما في الرواية الأخرى  لحديث الشفاعة وفيه ( فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يارب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال ذرةٍ أو خردلةٍ من إيمان 000الخ ) متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ) فقلن : وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله ؟ قال  ( أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ) قلن : بلى ، قال ( فذلك من نقصان عقلها ، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ قلن : بلى ، قال ( فذلك من نقصان دينها ) متفق عليه فتبين أن الإيمان يزيد وينقص وعليه إجماع أهل السنة سوى مرجئة الفقهاء 0



وقد قسم المولى جل وعلا المؤمنين إلى ثلاث مراتب قال تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (32) سورة فاطر فالظالم لنفسه المقصر في الفرائض والواجبات ، والمقتصد الذي اقتصر عليها دون النوافل ، والسابق بالخيرات الذي قام بالنوافل مع الفرائض 0 ولو كان الإيمان واحد لا يزيد ولا ينقص لكانوا في مرتبةٍ واحدة وهذا من الظلم الذي ينزه عنه دين الله عز وجل 0





















((  الأدلة على أن مرتكب الكبيرة  لا يخرج من الإيمان  ))

1-قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (178) سورة البقرة فوصف القاتل بأنه أخٌ للمقتول مما يدل على أنه لا يزال على الإيمان مع اتصافه بالقتل الذي هو من كبائر الذنوب  ومثل ذلك قوله تعالى{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (10) سورة الحجرات

2- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا اسمه عبد الله يلقب حماراً كان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تلعنوه فو الله ما علمت أنه يحب الله ورسوله ) رواه البخاري فشهد له بمقتضى الإيمان وهو محبة الله ورسوله رغم أنه شارب خمر التي شربها من كبائر الذنوب 0

3-أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل أصحاب الكبائر معاملة المسلمين ولو انتفى عنهم الإيمان وصاروا كفاراً لما عاملهم معاملة المسلمين ولأمر بقتلهم ردةً لأن المرتد يقتل ، فلمَّا لم يفعل تبين أنهم على إيمانهم 0

وأما قول النبي  صلى الله عليه وسلم ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) متفق عليه فالمراد نفي كمال الإيمان لا أصل الإيمان جمعاً بين الأدلة ،  إذ لو كان المراد نفي أصل الإيمان لقتلهم ردة ولما عاملهم معاملة المسلمين ولما نهى عن لعنهم كما في حديث عمر المتقدم 0





 ((   الأدلة على أن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار  ))



1- قول النبي صلى الله عليه وسلم ( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة ) متفق عليه



2- قول النبي صلى الله عليه وسلم ( خمس صلوات كتبهن الله على العباد من جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ) رواه النسائي وغيره وصححه الألباني



 3- عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله عصابة من أصحابه ( بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله عليه في الدنيا فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك ) متفق عليه



*  *  *











((  الفرق بين الإسلام والإيمان ))



إذا ذكر أحدهما دون الآخر فإن الآخر داخلٌ في معناه كقوله تعالى ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ ) (آل عمران: من الآية19) أي والإيمان وقوله تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً ) (آل عمران: من الآية85) أي وغير الإيمان وقوله تعالى ( فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (آل عمران: من الآية64) أي ومؤمنون  وهكذا ، وأما إذا ذكرا جميعاً في نصٍ واحدٍ فيحمل كل واحدٍ منهما على معنىً خاص فيكون الإسلام معناه الأعمال الظاهرة من الشهادتين والصيام والصلاة والزكاة والحج وسائر أعمال الجوارح ، ويكون معنى الإيمان الأعمال الباطنة أي أعمال القلوب من التصديق والإقرار والمحبة والإنابة والرجاء والتوكل والخوف ونحوها كقوله تعالى ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) (الحجرات: من الآية14) ففرق بينهما وكذلك في حديث جبريل فإنه فسر الإسلام بأعمال الجوارح وفسر الإيمان بأعمال القلوب ، فإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا والإيمان أعلى من الإسلام فكل مؤمنٍ مسلم وليس كل مسلمٍ مؤمن .























((   أنواع الكفرالأكبر   ))



1-كفر الإباء والاستكبار/ ككفر إبليس قال تعالى {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } (34) سورة البقرة وقال تعالى{بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (59) سورة الزمر وقال تعالى{وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (36) سورة الأعراف وقال تعالى{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (10) سورة الأحقاف إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن من الكفر ما هو ناتجٌ عن الإباء والاستكبار 0



2-كفر الجحود والعناد / كأن يجحد أمراًَ معلوماً من الدين بالضرورة كربوبية الله وألوهيته أو يجحد ملكاً من الملائكة أو رسولاً من الرسل أو كتاباً من الكتب المنزلة أو يجحد البعث أو الجنة أو النار أو الجزاء أو الحساب أو ينكر وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب الحج أو وجوب الصوم أو يجحد وجوب بر الوالدين أو وجوب صلة الرحم أو غير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة وجوبه أو يجحد تحريم الزنا أو تحريم الربا أو تحريم شرب الخمر أو تحريم عقوق الوالدين أو تحريم قطيعة الرحم أو تحريم الرشوة أو غير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة تحريمه .



3-كفر الاعتقاد / كما لو اعتقد لله صاحبة ًأو ولداً أو اعتقد أن  له شريكاً في الملك أو أن معه مدبرٌ في الكون أو اعتقد أن أحداً يشارك الله في أسمائه أو صفاته أو أفعاله أو اعتقد أن أحداً يستحق العبادة غير الله فإنه يكفر بهذه الاعتقادات كفراً أكبر 0



4-كفر الإعراض عن دين الله / وهو الترك والرفض كأن يعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به قال تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ} (3) سورة الأحقاف وقال تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (22) سورة السجدة



والكفر يكون بالفعل كما لو سجد للصنم أو فعل السحر أو دعا غير الله أو ذبح لغير الله أو نذر لغير الله 0 ويكون بالقول كما لو سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو سب دين الإسلام أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} (66) سورة التوبة



ملاحظة لا فرق في ذلك بين الجاد والهازل والخائف إلا المكره لقوله تعالى{مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (106) سورة النحل











((  أنواع الحكم بالتكفير  ))

ينقسم التكفير عند أهل المعتقد الصحيح إلى قسمين :

الأول / التكفير بالوصف : ويراد به أن يكون الحكم بالكفر متوجهًا إلى القول أو الفعل لا إلى القائل أو الفاعل كقول ( من شبه الله بخلقه كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه كفر ، ومن صرف عبادةً لغير الله أشرك ، ومن قال بخلق القرآن كفر ) ونحو ذلك ، يريدون بيان حكم هذه الأقوال والأفعال ، ولا يقصدون الحكم على المعين ، فقولهم : من قال بخلق القرآن فقد كفر ، لا يلزم منه تكفير كل قائل بذلك بعينه . وقولهم : من شبه الله بخلقه فقد كفر ، لا يلزم منه تكفير كل مشبهٍ بعينه وهكذا 0 ويرجع في ذلك إلى الدليل فكل ما حكم الشارع بكفر فاعله فإنه يجوز القول من فعل كذا فهو كافر ، لكن لا نحكم على كل فاعلٍ بالكفر حتى تتوفر فيه شروط التكفير وتنتفي عنه موانعه 0

الثاني / التكفير بالعين : ويراد به الحكم على شخصٍ معينٍ بالكفر فهذا يشترط فيه النظر إلى توافر الشروط وانتفاء الموانع ، فإنها قد تتوفر في شخصٍ فيحكم بكفره وتتخلف في آخر فلا نحكم بكفره ، ومرد هذا إلى الراسخين في العلم الذين يعلمون شروط وموانع الكفر وتطبيقاتها على المعين 0

تنبيه / هذا فيمن يدعي الإسلام أما الكافر الأصلي فيحكم بكفره عيناً بلا بحثٍ عن تحقق الشروط وانتفاء الموانع إذ هو مقرٌ على نفسه بعدم الإسلام 0



*  *  *



((   الشروط والموانع التي يتوقف عليها كفر المعين  ))

الأول / العقل وضده الجنون ، فالعقل شرطٌ والجنون مانع .فمن فعل شيئًا من المكفرات وهو مجنون فلا يحكم بكفره لفوات شرطٍ وهو العقل ، ووجود مانعٍ وهو الجنون 0

الثاني / البلوغ وضده  الصغر ، فالبلوغ شرط والصغر مانع 0

الثالث /  العمد وضده الخطأ أو النسيان أو الذهول وكالنائم يحتلم فيتكلم بالكفر ونحو ذلك فمن لم يكن متعمداً قول أو فعل الكفر وإنما صدر عنه عن خطأٍ أو نسيانٍ ونحوه فلا يحكم بكفره قال تعالى { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } (5) سورة الأحزاب {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } (286) سورة البقرة وثبت عند مسلم وغيره أن الله تعالى قال ( قد فعلت ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم  ( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يبلغ وعن المعتوه حتى يعقل ) رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني وقال صلى الله عليه وسلم ( لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان راحلته بأرضٍ فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرةً فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمةً عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) رواه مسلم



تنبيه / ما وقع فيه مؤولة الصفات قد يكون من هذا الباب فإن أهل السنة لم يكفروا الأشاعرة ونحوهم من المؤولة ويرون أنهم لم يتعمدوا تحريف الصفات وإنما أخطأو وظنوا أن التأويل تنزيهٌ للرب جل وعلا وليس كذلك بل فيه تنقصٌ للرب من حيث لم يشعروا ، فالمقصد أن التأويل السائغ وهو الذي ساعدته اللغة أو العرف أو العقل يكون مخالفة النص بسببه من باب الخطأ لا العمد والله تعالى أعلم 0 ويؤيده حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال :  لما نزلت هذه الآية { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } (187) سورة البقرة أخذت عقالاً أبيض وعقالاً أسود فوضعتهما تحت وسادتي فنظرت فلم أتبين فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال ( إن وسادك لعريض طويل إنما هو الليل والنهار ) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 2275 ) فهنا تأول عديٌ رضي الله عنه ووافقته اللغة لأن الخيط يطلق على العقال ولم يتعمد مخالفة النص فعذر ، وهذا مثال التأويل باللغة 0

ومثال التأويل بالعرف حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أناسٍ من جهينة فأتيت على رجلٍ منهم فذهبت أطعنه فقال لا إله إلا الله فطعنته فقتلته فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ( أقتلته وقد شهد أن لا إله إلا الله ؟ ) قلت يا رسول الله إنما فعل ذلك تعوذاً قال ( فهلا شققت عن قلبه ) متفق عليه والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل أسامة قصاصاً ولم يأخذ منه ديةً فدلَّ على أنه معذورٌ لأنه تأول بما يوافق العرف فإن من المتعارف عليه أنه لا يسلم أو يقر بشيءٍ تحت تهديد السلاح إلا المتعوذ يقول ذلك خوفاً من السلاح 0

ومثال التأويل بالعقل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أسرف رجلٌ على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه فقال إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في البحر فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ففعلوا ذلك به فقال الله للأرض أدي ما أخذت فإذا هو قائم فقال ما حملك على ما صنعت قال خشيتك يا رب فغفر له بذلك ) متفق عليه فهذا لم ينكر مطلق القدرة لكنه ظن بعقله أنه حين يُفْعَلُ به هذا الصنيع أن الله لا يقدر على جمعه والعقل يحيل جمع شيءٍ قد حُرِّق وسحق وذر في البحر لكن قدرة الله فوق العقل ، وعذره الله بهذا التأويل 0 ‌ 



الرابع / العلم وضده الجهل ، فالعلم شرطٌ والجهل مانع قال تعالى{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (15) سورة الإسراء وقال تعالى{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (165) سورة النساء  فنفى الله العقوبة عن الذي لم تبلغه دعوة الرسل ، ومن باب أولى نفي العقوبة عمن كان مؤمنًا بالله ورسوله ولم يبلغه بعض ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من المكفرات ففعلها جهلاً بها 0 غير أن باب العذر بالجهل ليس مفتوحاً على مصراعيه فمن كان في بلادٍ فيها علماء ويستطيع الوصول إليهم والسؤال عما أشكل عليه أو كان في بلادٍ فيها مسلمين ومعروفٌ عندهم أن هذا الأمر مكفر فلا يعذر بالجهل حينئذٍ إذ هو ناتجٌ عن تقصير والله تعالى أعلم 0

الخامس / الإرادة وضدها الإكراه ، فالإرادة شرط والإكراه مانع قال تعالى {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (106) سورة النحل وقال صلى الله عليه وسلم ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه أحمد وبن ماجة وغيرهم وصححه الألباني انظر حديث رقم ( 1731 ) في صحيح الجامع































التوحيد والشرك

















(((   تعريف التوحيد وأقسامه  )))



التوحيد / لغةً : مصدر وحد يوحد توحيداً وموحداً أي جعله واحداً أي فرداً 0

اصطلاحاً / إفراد الله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته فلا يشرك معه غيره فيها 0

والتوحيد ثلاثة أقسام :

1-توحيد الربوبية / وهو إفراد الله بالخلق والرزق والتدبير وهو توحيد الله بأفعاله 0

2-توحيد الألوهية / وهو إفراد الله بالعبودية وهو توحيد الله بأفعال العباد 0

3-توحيد الأسماء والصفات / وهو إفراد الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا 0

وبعضهم يجعله قسمين :

1-توحيد المعرفة والإثبات ، ويشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات .

2-توحيد القصد والطلب ، وهو توحيد الألوهية .

ومنهم من يقسمه إلى أقسامٍ أخرى وكلها ترجع إلى معنىً واحد ، والتقسيم الأول هو أشهرها وأوضحها وأبينها للمراد ، وهذه التقسيمات لم يرد بها نصٌ وإنما هي اجتهاداتٌ من العلماء رحمهم الله إذ أصل التوحيد واحد وإنما قسمه العلماء لمَّا رأوا أن أقواماً من هذه الأمة آمنوا ببعض التوحيد وكفروا ببعض وظنوا أنهم موحدون وليسوا كذلك فاضطر ذلك العلماء أن يقسموا التوحيد ليبينوا لهؤلاء أنهم إنما آمنوا بجزءٍ دون جزء ، ولا يكون الإنسان موحداً حتى يؤمن بالتوحيد كله فمن آمن بتوحيد الربوبية ولم يؤمن بتوحيد الألوهية فليس بموحد ومن آمن بهما وكفر بتوحيد الأسماء والصفات فليس بموحد وكذلك العكس حتى يؤمن بها جميعاً 0









  توحيد

 الأسماء والصفات









المدخل لمعرفة

توحيد الأسماء والصفات

العلم نوعان /

1- علم الماديات وهو العلم بما خلق الله في الكون والطبيعة 0

2- علم الشرعيات وينقسم إلى نوعين : علمٌ بالله وأسمائه وصفاته ، وعلمٌ بشرائع الله وأوامره ونواهيه ، والأول هو الأعظم لأنه علمٌ يتعلق بأشرف وأجل وأكرم  معلوم وهو الله جل في علاه 0



((  عقيدة أهل الحق في أسماء الله وصفاته  ))

يثبت أهل الحق لله جل وعلا ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلا من غير تمثيل ولا تكييف ، ومن غير تأويلٍ ولا تحريف على حدِّ قوله تعالى  ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ?(الشورى 11) وينفون عنه ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات التي لا تليق به جل وعلا 0

فإثباتهم بريءٌ من التمثيل والتكييف ، وتنزيههم بريءٌ من التعطيل والتأويل والتحريف 0

والتمثيل / هو تشبيه الخالق بالمخلوق وهذا منفيٌ عن الرب جل وعلا قال تعالى{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى وقال تعالى{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (4) سورة الإخلاص قال في الجلالين أي مكافئا ومماثلا وقال تعالى { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (65) سورة مريم قال بن كثير: قال ابن عباس: هل تعلم للرب مثلاً أو شبيهاً وهو قول مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وغيرهم وقال تعالى{فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ } (74) سورة النحل قال بن كثير : أي لا تجعلوا له أنداداً وأشباهاً وأمثالاً  وقال القرطبي : أي لا تشبهوا به هذه الجمادات لأنه واحدٌ قادرٌ لا مثل له 0

وقد تقرر في العقول السليمة أن الصفة تختلف باختلاف من أضيفت إليه ، فليست يد الفيل كيد النملة ، ولا جناح البعوضة كجناح النسر ، ولا قوة الأسد كقوة الهر 000الخ فإذا كان هذا الاتفاق في المسميات لا يلزم منه الاتفاق في الصفات فيما بين المخلوقات فكيف يكون ذلك لازمًا بين الخالق الكامل من كل الوجوه والمخلوق الناقص من كل الوجوه 0



والتكييف / التخييل بصفةٍ لا مثيل لها كأن يقول إن يد الله صفتها كيت وكيت بكيفيةٍ يخترعها في مخيلته لا مثيل لها في المخلوقات 0

والتأويل / له ثلاثة معان :

الأول / حقيقة الشيء التي يؤول إليها أي يصير ويقع ، وهذا هو معنى هذه اللفظة في نصوص الوحيين فتأويل الأمر إيقاعه بعده قالت عائشة رضي الله عنها ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي  يتأول القرآن ) متفق عليه  أي يوقع حقيقة ما أمر به فيه ، وتأويل الرؤيا وقوعها قال يوسف عليه الصلاة والسلام {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا } (100) سورة يوسف ، وتأويل الخبر وقوع حقيقته قال تعالى مهدداً  الذين ينكرون اليوم الآخر ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ) (الأعراف: من الآية53) أي هل ينتظرون إلا وقوعه كما أخبرنا بأهواله وما فيه ، وقال الخضر  لموسى عليهما الصلاة والسلام ( سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف: من الآية78) أي سأخبرك بحقيقة ما ستكون عليه  الأمور التي أنكرتها، ثم قال بعد أن بين له حقيقتها  ( ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف: من الآية82) أي هذا الذي بينته لك هو الحقيقة التي يؤول إليها ما فعلته 0

الثاني / التأويل بمعنى التفسير ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبن عباس ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) أي تفسير القرآن

الثالث /  صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح أو عن الحقيقة إلى المجاز لدليلٍ يقترن به كتأويلهم استوى في قوله تعالى (( الرحمن على العرش استوى )) بأن معناه ( استولى ) وقالوا إنما صرفنا اللفظ لدليل وهو تنزيه الرب عن مشابهة المخلوقين لأن معنى استوى الظاهر أي علا واستقر والمخلوق يعلو ويستقر ففي ذلك مشابهةٌ للمخلوق وقد ورد عند العرب تفسير ( استوى ) ب ( استولى ) قال الأخطل:

قد استوى بشرٌ على العراق    من غير سيفٍ أو دمٍ مهراق  / أي استولى

والجواب / أن استواء الله يليق بجلاله وعظمته واستواء المخلوق يليق بضعفه وعجزه فلا مشابهة ، والبيت لنصراني على أنه قد قيل إن هذا البيت لا أصل له وإنما هو من اختراع المؤولة ليستدلوا لمذهبهم ، لكن على فرض صحته فإن معناه أي قد علا واستقر بشرٌ على حكم العراق وحينئذٍ يكون تفسير استوى باستولى لا أصل له في اللغة ، فبطل ما ادعوه دليلاً صارفاً إلى المعنى المرجوح وهكذا في سائر أدلتهم التي صرفوا بها أسماء الله وصفاته عن حقيقتها اللائقة بها إلى معاني مخترعة زعموا أن فيها تنزيهاً لله فعطلوها وحرفوها ، تنزه الله عن تنزيههم 0

وهذا النوع الثالث من التأويل لم يكن معروفاً عند السلف وإنما أحدثه المتأخرون وهو من الألفاظ المجملة التي تحتمل حقاً وباطلاً فإن كان هذا الصرف بمقتضى الدليل الصحيح الصارف عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح فإنه يقبل كقوله تعالى { نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ } (67) سورة التوبة فالنسيان يطلق في لغة العرب على معنىً راجح وهو الذهول والغفلة وعلى معنىً مرجوح وهو الترك والتخلية ، والأصل أن تحمل ألفاظ الشارع على المعنى الراجح لكن قد جاءنا دليل صارف عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح وهذا الدليل صحيحٌ صريح قال تعالى { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (64) سورة مريم فنفى عن نفسه النسيان المعروف فعلمنا أنه أراد بالآية الأولى المعنى المرجوح للنسيان وهو الترك فأخذنا به 0 فإذا كان التأويل بمقتضى دليلٍ صحيح فإنه يقبل وأما وإن كان مبناه على التخرص والهوى بلا دليلٍ فهو مردود وهو وإن سموه تأويلاً ليروج وتقبله النفوس إلا أنه في حقيقته تحريف ، لأن هذا الصرف الذي لا دليل عليه تحكمٌ في كلام المتكلم بلا إذن منه وهذا لا يجوز في آحاد كلام البشر فكيف بكلام الله جل وعلا 0

والتعطيل / لغةً مأخوذٌ من العطل وهو الخلو والفراغ والترك ومنه قوله تعالى (( وبئرٍ معطلة )) ( الحج45 ) أي خاليةً من الورَّاد قد تركها أهلها 0

والتعطيل اصطلاحاً / إنكار وجحود أسماء الله وصفاته كجحد المعتزلة أن الله يتكلم وقولهم أن القران مخلوق ونحو ذلك0

تنبيه / ليست المعطلة في هذه الأمة فحسب بل هي موجودةٌ في الأمم السابقة كاليهود فإنهم أنكروا أن يكون الله قد أنزل كتباً على بشر تنزيهاً لله بزعمهم عن الإيحاء إلى البشر ، ولقد ردَّ الله عز وجل عليهم فقال تعالى {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} (91) سورة الأنعام لأن حكمته ورحمته وعفوه وكرمه بعباده يقتضي أن يرسل إليهم رسلاً وينزل عليهم كتباً ليدلوا عباده على الطريق الصحيح والصراط المستقيم ، فنزه الله نفسه عن تنزيههم ، وهكذا سائر المعطلة الذين يعتقدون أنهم ينزهون الله وهم في الحقيقة يصفونه بالنقائص فكيف يكون إلهاً لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر أي خيرٍ في هذا الإله ، ولقد عاب الله عز وجل على بني إسرائيل عبادتهم للعجل فقال { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ } (148) سورة الأعراف وقال الخليل عليه السلام { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا} (42) سورة مريم

والتحريف / لغةً : التغيير والتبديل

واصطلاحاً / قسمان :

1- تحريف ألفاظ الأسماء الحسنى والصفات العلى بزيادةٍ أو نقصٍ أو تبديل كزيادة الجهمية ومن سار على منهجهم كالمعتزلة والأشاعرة لاماً في  استوى لتصبح استولى بزيادة لام فهذا تحريف لفظ ، وكقول اليهود حنطة لما قيل لهم قولوا حطة بزيادة نون ولذا قال ابن القيم رحمه الله :

أمـر اليهود بأن  يقولوا  حطةٌ     فأبوا  وقالوا حنطةٌ   لهـوان

وكـذلك الجهمي قيل استوى     فأبى وزاد  الحرف للنكـران

       نون اليهودِ   ولام  جهميٍ  هما     في وحي رب العرش زائدتان

وقد تكون الزيادة كلمةً كاملة كزيادة ( أمر ) في قوله تعالى {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (22) سورة الفجر  لتكون ( وجاء أمر ربك ) فهذا تحريف لفظٍ ، وتحريف اللفظ يقتضي تحريف المعنى 0

2-تحريف المعنى دون اللفظ كتفسيرهم قوله تعالى { وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (164) سورة النساء قالوا معناها : جرحه بمخالب الحكمة تجريحا وكتفسيرهم الغضب بإرادة الانتقام واليد بالنعمة أو القدرة ونحو ذلك فهذا تحريفٌ للمعنى دون اللفظ 0 وكلا التحريفين ضلالة 0



والفرق بين التعطيل والتحريف أن التعطيل نفيٌ مجرد بلا إثبات ، والتحريف نفيٌ للحق وإثباتٌ للباطل ، نحو صفة اليد فالمعطل يقول لا يد له والمحرف يقول لا يد له إنما أراد باليد القدرة 0

تنبيهات /

أولاً : المعطلة لهم عباراتٌ عجيبة في إنكارهم للصفات فينبغي الحذر منها كقولهم ( سبحان من تنزه عن الأبعاض و الأعراض والأغراض ) ويريدون بالأبعاض صفات الذات كالوجه واليدين والعينين ويقولون إن هذه أبعاض أي أجزاء  جسم والله منزهٌ عن الأبعاض  والجسم ، وأما الأعراض فهي صفات الفعل لأن الفعل له بدايةٌ ونهاية فهو عرضٌ يزول والله منزهٌ عن هذا ثم إن الأعراض لا تقوم إلا بأجسام والأجسام متماثلة والله منزهٌ عن المثيل ، وأما الأغراض فهي الحكمة فالله منزهٌ عن الحكمة لأنه لو فعل شيئاً لحكمة دلَّ على أنه محتاجٌ لهذا الغرض والله منزهٌ عن الإحتياج للأغراض 0

والجواب / أن نقول ( تنزه الله عن تنزيهكم ) فإنكم جعلتموه عدماً فسلبتموه صفات الذات وصفات الفعل بل وحتى الحكمة بحجة تنزيه الله عن مشابهة الخلق ، ومن قال لكم أن إثبات الصفات يستلزم التشبيه فهاهي المخلوقات لها صفات لا تتشابه فوجه الفيل ليس كوجه النملة وجناح النسر ليس كجناح النحلة  ورقبة الزرافة ليست كرقبة الشاة فهذه في صفات الذات وفي صفات الفعل ليس جري الفهد كجري السلحفاة ولا ضربة الأسد كضربة الهر ، قال تعالى{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ } من الآية (45) سورة النــور وحتى من يمشي على صفةٍ معينةٍ هم مختلفون فالإنسان مثلاً يمشي على رجلين والدجاجة تمشي على رجلين ومع ذلك فليست رجلي الدجاجة كرجلي الإنسان ، فإذا كانت هذه المخلوقات لا يستلزم إثبات الصفات لها التماثل فكيف بين الخالق والمخلوق 0



ثانياً / كل قولٍ لا بد له من لوازم تترتب عليه ، لكن ليس كل من ذكر لازم قولٍ أن يكون اللازم الذي ذكره صحيحاً فمثلاً قول المعطلة يلزم من الإثبات التمثيل هذا لازمٌ باطل لأنه يمكن أن نثبت بلا تمثيل ، ويمكن أن يكون اللازم المذكور صحيحاً فنحن نقول يلزم من قول نفاة الصفات أن الكتاب والسنة لم يبينا الحق بل كتما وأتيا بألغازٍ ومجازاتٍ تأويلها خلاف ظاهرها ،  ويلزم منه أيضاً أن الكتاب والسنة يدعوان إلى الكفر بظواهرهما فإن إثبات ظاهر قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه كفرٌ وردةٌ لأنه تمثيلٌ وتجسيم بزعمهم وهكذا بقية نصوص الصفات ، فهذا لازمٌ صحيح ، ولأجل التوضيح نقول : إذا ألزم الخصم القائل بلازمٍ فإما أن يقرَّ بهذا اللازم وحينئذٍ إما أن يقرَّ أن هذا اللازم يفسد قوله وحينئذٍ يلزمه الرجوع عن قوله أو يقول لا يفسد قولي ويبين وجه عدم إفساد قوله بهذا اللازم ، وإما أن لا يقرَّ باللازم من الأصل وحينئذٍ يلزمه بيان عدم إلزام قوله بهذا اللازم 0



ثالثاً / قوله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} من الاية (11) سورة الشورى قيل إن مثل بمعنى صفة كقوله تعالى  {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا } من الاية (35) سورة الرعد أي صفة الجنة ، وحينئذٍ تكون الكاف في الآية الأولى زائدة والمعنى ليس كصفته شيء وقيل المعنى ( ليس كذاته شيء ) وقيل المراد نفي المماثلة والكاف للتوكيد ويكون المعنى ( ليس له مثيل ) وقيل الكاف للتمثيل ويكون المعنى ( ليس مثل مثله شيء ) ونفي مثل المثل أعظم من نفي المثل ، ولكن هذا القول عندي لا يجوز لأن فيه إثبات مثيل لأن معناه مثيل الله ليس له مثيل وهذا باطل إذ ليس لله مثيل ، وحينئذٍ يكون أرجح الأقوال أن الكاف للتوكيد والمثل للماثلة فالآية تؤكد نفي المماثلة 0













((  مراحل التعطيل   ))



المرحلة الأولى / التعطيل الكلي للأسماء والصفات وأول من عرف بالتعطيل في هذه الأمة الجعد بن درهم وأخذها عنه تلميذه الجهم بن صفوان وهو الذي نشرها ولذلك تنسب إليه فيقال الجهمية ، ولقد انتقم الله عز وجل منهم في الدنيا قبل الآخرة فقام خالد بن عبد الله القسري أمير العراق في زمن هشام بن عبد الملك بقتل الجعد بن درهم في يوم الأضحى سنة 119هـ قال أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضحىٍ بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً ثم نـزل فذبحه ، وأما الجهم بن صفوان  فقتله سلم بن أحوز صاحب شرطة نصر بن سيار في خراسان سنة 128هـ 0



المرحلة الثانية / تعطيل الصفات دون الأسماء وأول من أسس هذا المذهب واصل بن عطاء وكان من تلاميذ الحسن البصري فاعتزل مجلسه واتخذ حلقةً لوحده وكان الحسن يقول اعتزلنا واصل  فسميَّ اتباع واصل وتلاميذه بالمعتزلة  وقد نشر هذا المذهب بشر بن غياث المريسي وكان صاحب جدل فأقنع به بعض حاشية المأمون كأحمد بن أبي دؤاد وغيره الذين بدورهم أقنعوا المأمون فاتخذه مذهباً وألزم الناس بالدخول فيه جبراً بالقوة وعذَّب وقتل كثيراً من علماء السنة في فتنة القول بخلق القران التي مردها تعطيل صفة الكلام للرب جل وعلا حين قال أهل السنة كيف تعطلون صفة الكلام وهذا القران كلام الله بين أيديكم فقالوا ليس بكلام الله بل هو مخلوق ثم امتحنوا الناس للقول بخلق القران وعذَّبوا وقتلوا حتى استجاب جمعٌ من العلماء لقولهم إكراهً وثبَّت الله الإمام أحمد بن حنبل فلم يجبهم رغم شدة تعذيبهم له وبقي في سجونهم ثمانيةً وعشرين شهراً يذيقونه أصناف العذاب فلم يجب حتى نصره الله وأعز به أهل الحق ودحر أهل الباطل فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء

وتتابع ثلاثةٌ من خلفاء بني العباس على نصرة المعتزلة وهم المأمون والمعتصم والواثق ثم انتقلت السلطة للمتوكل الذي كان سنياً فأعلن حربه لهذا المذهب ونصرته للإمام أحمد وأهل السنة فأذل الله أهل الباطل وأعز أهل الحق وهذه سنة الله في الحياة أنه لا يديم عز الباطل بل مهما كان له صولة وجولة فلا يلبث أن يندحر وينهزم ويعلوا الحق 0



المرحلة الثالثة / إثبات الأسماء وإثبات بعض الصفات وتعطيل بعضها وهم الأشاعرة والكلابية والماتريدية وغيرهم ولذلك فإن من العلماء من يطلق على هذه الفرق جميعاً الجهمية كما تقدم في أبيات بن القيم وغيره وذلك لأن مذهبهم جميعاً تعطيل الصفات 0





*  *  *



















((   العلاقة بين الممثل والمعطل  ))

العلاقة بينهما علاقة وطيدة فالمعطل حقيقته ممثل ودليل ذلك  :

1- أنه إنما عطَّل فراراً من التمثيل ، فتعطيله مبناه على التمثيل ، فمثل صفات الرب بصفات المخلوق في ذهنه فأراد الفرار من الوقوع في التمثيل فعطل .

2- أنه قد مثل الله بالناقصين من خلقه فإذا قال ليس له يد فقد مثله بالأقطع اليد وإذا قال ليس له سمعٌ ولا بصر فقد مثله بالأصم والأعمى ، وعليه فيكون الممثلين الخلص على ضلالهم خيرٌ من المعطلين لأنهم مثلوا الرب بالكاملين في صفاتهم من الخلق والمعطلين مثلوه بالناقصين 0

3-أن الذي يعطل جميع الصفات قد مثل الله بالمعدومات التي لا صفات لها ، فمن لا سمع له ولا بصر ولا يتكلم وليس له يد ولا عينين وليس له صفات ذاتٍ أو فعلٍ فهو معدوم 0

 

وكذلك فإن الممثل في حقيقته معطل ودليل ذلك :

1- أنه عطل النصوص التي تنفي المماثلة 0

2- أنه قد عطل الله عن كماله الواجب إذ الواجب أن يوصف الله تعالى بالكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله ، وليس المخلوق كذلك بل هو ناقص ، فحين يشبه الله بالناقص يكون قد انتقص الرب وعطله عن كماله الواجب له جل وعلا فهو معطلٌ من هذا الوجه 0



والمعطل والممثل كليهما منتقصين للرب جل وعلا فهما متشابهين من هذا الوجه ويلزمهما التوبة والإنابة والرجوع إلى الحق بإثبات الصفات بلا تمثيل وقد قال تعالى {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} (38) سورة الأنفال



 ((  قاعدتان مهمتان تقصمان ظهر المعطلة  ))

القاعدة الأولى / القول في الصفات كالقول في الذات فكما أن لله ذاتاً لا تشبهها الذوات فله صفاتٌ لا تشبهها الصفات 0

لأن المعطلة يثبتون الذات ويقولون إن ذات الله لا تشبه ذوات المخلوقين ثم يغيرون على صفات الرب جل وعلا فيبطلونها ويجحدونها ويعطلونها ويقولون لو أثبتنا لله صفات لاقتضى ذلك تشبيهه بالمخلوقين لأن المخلوقين لهم صفات ، فيقال لهم وللمخلوقين أيضاً ذوات فعلى قاعدتكم ينبغي أن تجحدوا ذات الرب جل وعلا حتى لا تشبهوه بالمخلوقين الذين لهم ذوات أو تعودوا إلى رشدكم وتقولون كما أن ذات الله لا تشبه ذوات المخلوقين فكذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين فتثبتون صفات الرب كما أمر بلا تشبيه 0



القاعدة الثانية / القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر 0

وذلك لأن بعض المعطلة أو من يسمون أنفسهم بالمؤولة يثبتون بعض الصفات ويعطلون بعضها بصرفها عن معانيها الحقة إلى معاني باطلة اخترعوها من تلقاء أنفسهم لم يثبت بها كتابٌ ولا سنة  وحجتهم في ذلك أن الذي أثبتناه من الصفات لا يقتضي التشبيه والذي نفيناه يقتضي التشبيه والشبه منفيٌ عن الله فينبغي أن ننفي الصفات التي تقتضيه 0

والجواب ما ذكرناه في القاعدة لإن الصفات التي أثبتموها لله وهي السبع المذكورة في هذا البيت :  له الحياة والكلام والبصر    سـمع إرادة وعلـم واقتـدر

لها أشباه مسمياتٍ في صفات الخلق ففي المخلوق حياة وكلام وبصر 00الخ فكيف تقولون إن إثبات هذه السبع لا يقتضي التشبيه ثم تعدون على باقي الصفات فتعطلونها بحجة أن إثباتها يقتضي التشبيه لوجود نظير مسمياتٍ لها في صفات الخلق ، فالقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر فإما أن تعطلونها جميعاً فحينئذٍ نرد عليكم بالقاعدة الأولى وأما أن تثبتونها جميعاً بلا تشبيه كما أثبتم السبع فتكونون على الهدى والطريق المستقيم 0

*  *  *

 ((  طرائق الجهمية وأحفادهم من نفاة الصفات في ترويج باطلهم  ))

1-تلبيس الألفاظ الشرعية بلباسٍ تنفر منه النفوس فيبدلون المصطلحات الشرعية بمصطلحات بدعية مقززة فيسمون الإثبات تشبيه وتمثيل وتجسيم ، ويسمون الإستواء على العرش تحيز ، ويسمون إثبات العلو جهة ، ويسمون الصفات الذاتية كالوجه واليدين والقدم لله تعالى جوارح وأبعاضاً ، ويسمون صفاته الفعلية كالنزول والمجيء والاستواء على العرش أعراض وحوادث ، ويسمون الحكمة والغاية في أفعاله تعالى أغراض ، إلى غير ذلك من الأسماء الشنيعة والألقاب المحدثة التي يدلِّسون بها على عقول الجهلاء ثم يقولون لهم إن ربكم منزّه عن التشبيه والتجسيم والتحيز والجهات والجوارح والأبعاض والأعراض والحوادث والأغراض فعليكم بالتعطيل 0

2-رمي أهل الحق بالألفاظ القبيحة تنفيراً عنهم كقولهم مشبهه ومجسمة وحشوية ونوابت ونواصب ونحو ذلك من العبارات التي تدل على سفاهة عقول المعطلة وقلة بصيرتهم ، ويتهمون أهل الحق بأنهم قليلي علم ولا عندهم إلا ظواهر النصوص 0 ولذلك يقول الزمخشري صاحب الكشاف وهو من المعتزلة عن أهل السنة :

قد شبهوه بخلقه فتخوفوا     شنع الورى فتستروا بالبلكفة

يقول إن أهل السنة مشبهة لكنهم لما خافوا من كلام الناس وتشنيعهم على قولهم تستروا بالبلكفة أي قالوا بلا كيف فحين يقول أهل السنة مثلاً نثبت لله جل وعلا وجهاً بلا كيف فيقول الزمخشري إن أهل السنة يشبهون وجه الله  بوجه المخلوقات أو يشبهون الله بالمخلوقات التي لها أوجه لكنهم لئلا يشنع عليهم الناس قالوا بلا كيف من باب التلبيس على الناس 0 ولا شك أن هذا من الكذب والافتراء على أهل السنة لأن أهل السنة ينفون عن الرب جل وعلا المثل ويقولون لا شبيه له ولا مثيل ولا كفء ولا ند ولا نظير بل هو جل وعلا أحدٌ في ربوبيته أحدٌ في ألوهيته أحدٌ في أسمائه وصفاته وإثباتنا لا يستلزم التشبيه وقولنا بلا كيف أي لا نعلم كيفية الصفات وإن كنا نثبتها كما جاءت ولا يعاب علينا ذلك لأن الله جل وعلا لم يطلعنا على كيفية صفاته وإنما على أسمائها ومعانيها فنحن دائرون مع النص حيثما دار وأنتم يا معاشر المبتدعة من المعتزلة وغيرهم دائرون مع أهوائكم حيثما دارت بلا دليلٍ ترقبونه أو نصٍ تعظمونه فشتان بين الفريقين 0



3-إخفاء أكثر باطلهم الذي تنفر منه النفوس وإظهار بعضه بصورةٍ منمقة كادعائهم أنهم يريدون تنزيه الرب عن النقائص والعيوب وأنهم أهل الحق وأنصار الدين ونحو ذلك فيصدقهم الجاهل بحالهم ويظن أنهم صادقين في دعواهم 0 وحقيقة أمرهم إنكار الرب والكفر الصراح 0



4-يقولون : إن ما أثبتناه من الصفات يدل العقل على إثباتها وما نفيناه يدل العقل على نفيه والله قد أمرنا بإعمال العقل والتفكر في آياته الشرعية والكونية وهذا يقتضي أن نثبت ما أثبته العقل وننفي ما نفاه العقل وإلا لم يكن للدعوة إلى التفكر وإعمال العقول فائدة 0

والجواب / أن الله قد حث على التفكر في مخلوقاته وشرعه لا في ذاته فإن ذاته أعظم من أن تدركها العقول وصفاته من ذاته فمن ذا الذي يتجرأ أن يقول إنه يدرك ذات الرب بعقله لا شك لا يقوله إلا منحرف فاقد العقل فكذلك صفاته من ذاته فلا يجوز إعمال العقل في إثباتها أو نفيها أو كيفيتها لأن العقول لا تستطيع إدراك ذلك فوجب الرجوع إلى النقل لأن الله أعلم بصفاته فما أثبته أثبتناه وما نفاه نفيناه وما سكت عنه لم نخض فيه بنفيٍ أو إثبات0



5-يقولون : إن مذهب السلف أسلم لكنَّ مذهب الخلف أعلم وأحكم 0

وهذا باطلٌ من وجوه :

أولاً / أنه متناقض فكيف تكون عقيدة السلف أسلم إذا لم تكن أعلم وأحكم لأن السلامة في الدين لا تكون إلا بالعلم بما أراده الله من عباده ثم العمل بمقتضى هذا العلم وهذه هي الحكمة لأن الحكمة وضع الشيء في موضعه المناسب وهي هنا العمل بالعلم الموصل إلى النجاة وعليه فلا تكون العقيدة أسلم إلا إذا كانت أعلم وأحكم 0

ثانياً / أن هذا القول فيه اتهامٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم يقرؤون شيئاً لا يفهمون معناه أو أنهم يعرفون معناه ولكن كتموه ولم يبينوه لمن بعدهم ومعلومٌ عقوبة من كتم علماً فهل يوصف بهذا النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم  ، لا شك أنه لا يصفهم بذلك إلا من أعمى الله قلبه وطمس على بصيرته 0

ثالثاً / إذا كان السلف لا يفقهون معنى النصوص أو يعلمون ولكن كتموه فمن أين للخلف العلم بها ، وإنما يؤخذ العلم عن الله وعن رسوله وكل قولٍ لم يرد به نصٌ فهو قولٌ مبتدعٌ لا أصل له وكل بدعةٍ ضلالة قال صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه

رابعاً / أنه قد ثبت عن السلف أنهم يعلمون معنى الصفات وأنهم يثبتونها كما جاءت بلا تأويل وأقوالهم في ذلك كثيرةٌ مشهورة ، فتبين أن مذهبهم عن علم لا عن جهل ، ولذا تجد أقوالهم في العقيدة لا اختلاف بينها ولا تناقض بخلاف عقيدة الخلف فعندهم من الاختلاف والتناقض في تأويل الصفات وغيرها ما يدل على بطلان مذهبهم وأن مذهبهم بعيدٌ عن العلم والحكمة والسلامة قريبٌ من الجهل والحمق والخطر 0





 ((   قواعد في الأسماء والصفات  ))

1-أن أسماء الله وصفاته توقيقية فلا نثبت لله اسماً ولا صفةً لم يرد بها دليل ، وما أحدثه أهل البدع من الأسماء والصفات فمردودٌ عليهم لفظه وأما معناه فنستفصل فيه فإن كان حقاً أثبتناه وإن كان باطلاً رددناه نحو لفظ ( الجسم والحيز والجهة ) فنقول ماذا تريدون بلفظ الجسم فإن قالوا الذات الالهية فنقول المعنى صحيح فلله ذاتٌ تليق بجلاله وعظمته لكن لفظ الجسم باطل لعدم ورود النص به ولأنه موهمٌ بالنقص والمشابهه ، وإن قالوا أردنا بالجسم ما يتكون من أبعاضٍ وأجزاء ولحمٍ ودم فنقول هذا باطلٌ لفظاً ومعنى إذ الله منزهٌ عن ذلك ، ومثله الحيز فإن قالوا أردنا الذي تحوزه الأشياء فيكون داخلاً فيها فنقول هذا باطلٌ لفظاً ومعنى ، وإن قالوا أردنا المنحاز المنفصل عن مخلوقاته قلنا معناه صحيح واللفظ باطل ، والجهة إن قالوا أردنا أن الله تحيط به جهة معينة قلنا هذا باطلٌ لفظاً ومعنى وإن قالوا أردنا العلو بلا إحاطة قلنا المعنى صحيح واللفظ باطل لإيهامه النقص وعدم وروده في النص 0 وهكذا سائر ما يحدثه الناس 0

2-الألفاظ التي لو أفردت صارت نقصاً ، فإنها تثبت في سياقها كما جاءت لا تفرد نحو ( المانع المعطي ، الضار النافع ، المذل المعز ، القابض الباسط ،الخافض الرافع ) ومثل (  المكر والكيد بالكافرين  والمخادعة للمنافقين  والإستهزاء بالمستهزئين ) فلا يقال من أسماء الله ( الماكر والكائد والمخادع والمستهزئ ) ولا يقال من صفاته ( المكر والكيد والمخادعة والاستهزاء ) فإن هذه جاءت على سبيل المجازاة لهؤلاء على مكرهم وكيدهم ومخادعتهم واستهزائهم فتثبت في سياقها ولا تثبت مفردة لإن إثباتها مفردةً يقتضي النقص والله عز وجل منزهٌ عن النقائص والعيوب 0 والمكر والكيد والمخادعة والاستهزاء ليست قبيحةً مطلقاً بل منها ما هو حسن ، فالقبيح إيصاله إلى من لا يستحقه والحسن إيصاله إلى من يستحقه عقوبة له على فعله 0

3-يجوز الاقتداء بالرب جل وعلا فالله كريمٌ يحب الكرماء عفوٌ يحب أهل العفو رحيمٌ يحب أهل الرحمة وهكذا إلا الصفات التي لا تليق إلا بالله وحده فلا يجوز للإنسان الإتصاف بها كالمتكبر فإنها صفة كمالٍ في الرب جل وعلا وصفة نقصٍ في المخلوق فلا يتصف بها 0

4-ينبغي أن يدعوا بالاسم الذي يوافق حاجته فيقول يا غفور اغفر لي يا رحيم ارحمني يا رزاق ارزقني ، ولا يقول يا شديد العقاب اغفر لي فإن هذا الاسم يناسب أن يدعى به على الكافرين فيقال : يا شديد العقاب أهلك الكافرين 0

5-كل نفي في باب الأسماء والصفات فهو متضمن لكمال الضد فنفي الظلم عن الله جل وعلا لكمال عدله ، بخلاف المخلوق فإنه قد ينفى عنه الظلم لا لكمال عدله ولكن لخوفٍ أو عجز أو نحوه 0 قال الشاعر : وقُبِيِّلةٌ لا يغدرون بذمةٍ   ولا يظلمون الناس حبة خردل 0 يريد لضعفهم وعجزهم 0

6-يجوز الاستعاذة والحلف بالصفات لكن لا يدعى بها 0فيقول : أعوذ بنور وجهك أن يحلَّ بي سخطك 0 ويقول : وعزة ربي إني لصادق 0 لكن لا يقال : ياعزة الله اشفي مريضي ونحو ذلك 0

7- إذا ثبت الاسم لله تعالى جاز أن يشتق منه مصدراً وفعلاً فمثلاً ( السميع ) نقول إن لله سمعاً فهذا هو المصدر ونقول إن الله يسمع وهذا هو الفعل ، لا كن لا بد أن يكون الفعل متعدياً فإن كان لازماً لم يطلق عليه منه الفعل نحو ( الحي ) فلا يقال ( الله يحيا ) ونحو ( العظيم ) فلا يقال ( الله يعظم ) وإنما المصدر فيقال ( عظمة الله وحياة الله ) 0



*  *  *



((    الفرق بين الإسماء  والصفات   ))



1-الأسماء كلها مشتقة فكل اسمٍ يدل على صفة وليست كل صفةٍ تدل على اسم ، فمن أسمائه تعالى الرحيم وهو دالٌ على صفة الرحمة ، ومن صفاته جل وعلا الاستواء على العرش ولكن لا يسمى بالمستوي 0



2-يجوز التعبيد والدعاء بالإسم ولا يجوز بالصفة فتقول عبد الرحيم ولا تقول عبد الرحمة وتقول يارحمن ولا تقول يارحمة الله0



3-تشترك الأسماء والصفات في جواز الحلف والإستعاذة بها فتقول والله وتقول وعزة ربي وحياة ربي ، وتقول أعوذ بالله وتقول أعوذ بوجهك الكريم 0



4-أن الأسماء تدل على كمالٍ في نفسها فالعزيز يدل نفس الاسم على العزة بينما النزول وحده لو لم يضف إلى الله لما دلَّ على كمالٍ في نفسه 0





*  *  *









((   التعامل الأنسب مع أسئلة الأطفال والعامة في الأسماء والصفات   ))



لا يُفَصِّلُ لهم بل يجيبهم بإجاباتٍ مجملة ويصرفهم  إلى تعظيم الله عز وجل لأن الدخول في التفاصيل قد يوقعهم في شبهٍ لا يفهمون معناها على وجهها الصحيح فيحدث لهم ردة فعلٍ عكسية قد تكون سبباً في انحرافهم ولذا ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنه قال ( حدثوا الناس بما يعقلون أتريدون أن يكذب الله ورسوله ) وورد عن بعض السلف قوله ( ما أنت بمحدثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) لكن أيضا لا تصرفه وتمتنع من إجابته بل أجبه بما يثبت المعاني الإيمانية في قلبه بكلام مجمل يعظم به الله عز وجل 0

*  *  *







(((   الأسماء الحسنى    )))


قال تعالى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (180) سورة الأعراف قال القرطبي : سمى الله أسماءه الحسنى لأنها حسنةً في الأسماع والقلوب ، وقال غيره : لأن أسماء الله لا يقوم غيرها مقامها لكمال حسنها فلا يصح أن تقول بدل ( العلي ) المرتفع لأن العلي أكمل وأبلغ وهكذا ( السميع البصير ) فلا يصح أن يسمى السامع أو المبصر  لأن السميع البصير أكمل وأبلغ ، والكريم لايقال بدلها السخي لأن الكريم أبلغ وهكذا سائر الأسماء 0



أركان الإيمان بالأسماء الحسنى ثلاثة :

1-الإيمان بالاسم نحو ( الرحيم الغفور القوي ) فنؤمن أن هذه أسماءٌ لله جل وعلا

2-الإيمان بما دل عليه من معنى أي صفة فمعنى الأسماء المتقدمة ( الرحمة والمغفرة والقوة )

3-الإيمان بما تعلق به من الآثار فأثر الأسماء الثلاثة المتقدمة ( أن الله يرحم ويغفر لعباده وأنه قوي ينصر أوليائه وينتقم من أعداءه ) وهكذا بقية الأسماء 0



دلالة الأسماء الحسنى ثلاثة أنواع :

1-الدلالة على الذات وتسمى دلالة المطابقة فيقال ( السميع ) أي الله لأن السميع من أسماءه جل وعلا 0

2-الدلالة على الصفة ويسمى دلالة تضمن أي إثبات السمع لله جل وعلا فيقال الله السميع أي الذي وسع سمعه المسموعات كلها 0

3-الدلالة على بقية الصفات ويسمى دلالة الالتزام أي يلزم من كونه سميعاً أن يكون حياً قادراً عليماً 00000وهكذا بقية الصفات 0



 ((  الإلحاد في الأسماء الحسنى تعريفه وأنواعه  ))

الإلحاد لغةً /  الميل ، ومنه اللحد لأنه مائلٌ عن أسفل القبر 0

اصطلاحاً / هو الميل والعدول بحقائق ومعاني الأسماء الحسنى والصفات العلى عن المعنى المراد بها إلى معاني باطلة 0 وهو أنواع :

1-إنكار وجحد الأسماء والصفات جملةً كما وقع من الجهمية ، أو إنكار بعضها كما وقع من المشركين قال تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا } (60) سورة الفرقان

2-إنكار الصفات وجحد معاني الأسماء كما وقع من المعتزلة فإنهم يقولون : إن أسماء الله لا تدل على صفات وإنما هي مجرد أسماءٍ للعلمية ولذلك يقولون الله عليمٌ بلا علم وقديرٌ بلا قدرة وسميعٌ بلا سمع وبصيرٌ بلا بصر وهكذا في سائر الأسماء الحسنى جحدوا معانيها 0

3-إختراع أسماء وصفات لا دليل عليها كتسمية النصارى لله جل وعلا {بالأب} وتسمية الفلاسفة له ( بالعقل الفعال والعلة الفاعلة والموجب بالذات ) وكتسميته ( بصاحب الفيوضات والمريد والصانع والفاعل ) ونحوها مما لا تدل على كمالٍ في ذاتها أو تكون منقسمةً إلى كمالٍ ونقص فلا تصح أسماءً لله فكلها أسماءٌ باطلة 0

4-وصف الله جل وعلا بما لا يليق به قال تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء } (64) سورة المائدة وقال تعالى{لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} (181) سورة آل عمران وقال تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} (171) سورة النساء

5-اشتقاقهم من أسماء الله أسماء لمعبوداتهم كاشتقاقهم اسم اللات من الإله والعزى من العزيز ومناة من المنان ونحو ذلك 0



 (( عدد أسماء الله الحسنى  ))



ليس لأسماء الله حصرٌ حتى يمكن عدها وأما حديث ( إن لله تسعةً وتسعين اسماً ) فليس المراد به الحصر إذ لو كان المراد به الحصر لقال ( إن أسماء الله تسعةً وتسعين ) وقد جاء ما يدل على أنها لا حصر لها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم  ( ما أصاب أحداً قط همٌ ولا حزنٌ فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدلٌ فيَّ قضاؤك أسألك بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله عز وجل همه وأبدله مكان حزنه فرحاً )  قالوا يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات قال ( أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن )  رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم ( 1822 )



*  *  *





















((  فضل ومعنى إحصاء الأسماء الحسنى  ))

قال  النبي صلى الله عليه وسلم ( إن لله تسعةً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ) متفق عليه

الإحصاء لغةً /يأتي بمعاني عديدة منها الإطاقة قال تعالى {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } (20) سورة المزمل أي لن تطيقوه ومنه حديث ( استقيموا ولن تحصوا ) رواه مالك وأحمد وبن ماجة وغيرهم وصححه الألباني ومنها العد ومنها العقل قال الشاعر

( وإن لسان المرء ما لم تكن له    حصاةٌ على عوراته لدليل )



والإحصاء اصطلاحاً / اختلف العلماء في معنى الإحصاء على قولين :



الأول / الحفظ واستدلوا برواية ( من حفظها دخل الجنة ) وهي عند مسلم ( كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب في أسماء الله وفضل من أحصاها ) ورجحها النووي في المنهاج عند شرحه لهذا الحديث وذكر أن البخاري وغيره من المحققين قد أخذوا بها 0



الثاني / وهو الراجح حفظ ألفاظها وفهم معانيها والعمل بمقتضاها ولا يعارض رواية ( من حفظها دخل الجنة ) لأنه من المتعارف عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أنهم لا يحفظون شيئاً من الشرع حتى يفهموه ويعملوا بمقتضاه فكانوا يجمعون بين الحفظ والفهم والعمل ولا يقتصرون على أحدها دون ما سواها 0



تنبيه/ ليس المقصود حفظ الرواية التي جاء فيها سرد الأسماء لأن هذه الأسماء الراجح أنها ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي من إدراج الرواة ، وذلك لأن الحديث ورد في الصحيحين بدون ذكر الأسماء ، ووردت الروايات التي جاء فيها ذكر الأسماء من ثلاث طرق :

الأولى / أخرجها البيهقي من طريق عبد العزيز بن الحصين وهو ذاهب الحديث كما قال عنه ذلك الإمام مسلم وقال بن حجر إنه متفقٌ على ضعفه 0



الثانية / أخرجها بن ماجه من طريق عبد الملك بن محمد الصنعاني وهو ممن لا يحتج بحديثه



الثالثة / أخرجها الترمذي وبن منده والحاكم والبغوي والبيهقي في الأسماء والصفات وغيرهم من طريق الوليد بن مسلم وهو مشهورٌ بالتدليس ، بل بشرِّ أنواع التدليس وهو التسوية لكن إذا صرح بالسماع فإنه يؤخذ حديثه وهو في هذا الحديث قد صرح بالسماع بقوله أخبرنا ، لكن يشهد لضعف هذه الزيادة ما يلي :



1-الاختلاف الشديد في الروايات المختلفة عنه في سرد الأسماء مما يدل على اضطراب هذه الزيادة وأنها ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما مدرجة 0

2- أن الشيخين قد رويا الحديث عنه دون عدٍ للأسماء مما يدل على اتفاقهم على ضعف الزيادة وأنها مدرجة ، وقال الترمذي : ليس له إسنادٌ صحيح ا0هـ0 ولم يصححه إلا قومٌ قد عرفوا بالتساهل في التصحيح كالحاكم وبن حبان 0

3- أنه قد جاء في بعض الروايات الفصل بين صدر الحديث وبين سرد الأسماء كقوله ( وكلها في القران هو الله الذي لا إله إلا هو 000) مما يدل على أنه أدرجها مما استخرجه من القران 0

4- أن مما ذكر من الأسماء أسماءً ليست موجودةً في الكتاب والسنة ولا تصلح أسماءً لا مطلقاً ولا إضافةً ولا اشتقاقاً ، وفي المقابل هناك أسماء ثابتةٌ في الكتاب والسنة لم يذكرها 0



*  *  *

(( هل أسماء الله مشتقة  ))

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال /

الأول / أن أسماء الله كلها مشتقة من صفاته ، فالله من ألوهيته والعزيز من عزته والرحيم من رحمته والكريم من كرمه والسميع من سمعه والبصير من بصره والعليم من علمه وهكذا سائر الأسماء الحسنى فإنها مشتقة من صفاته جل وعلا 0



الثاني / أن اسم الله غير مشتق وما عداه مشتق وهو قول السهيلي وشيخه بن عربي وقالوا / إن المشتق يجب أن يتقدمه أصله المشتق منه واسم الله قديم بمعنى أنه لم يتقدمه شيء ليشتق منه



والجواب / ذكره بن القيم في بدائع الفوائد فقال : زعم السهيلي وشيخه أبو بكر بن العربي أن اسم الله غير مشتق ، لأن الاشتقاق يستلزم مادةً يشتق منها الاسم واسمه تعالى قديمٌ والقديم لا مادة له ، و لا ريب أنه إن أريد بالاشتقاق هذا المعنى وأنه مستمدٌ من أصل آخر فهو باطل ، و لكن الذين قالوا بالاشتقاق لم يريدوا هذا المعنى و لا ألم بقلوبهم ، وإنما أرادوا أنه دالٌ على صفةٍ له تعالى وهى الإلهية كسائر أسمائه الحسنى كالعليم والقدير والغفور والرحيم والسميع والبصير ، فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريب وهى قديمة والقديم لا مادة له ، فما جوابكم عن هذه الأسماء ؟ فهو جواب القائلين باشتقاق اسمه الله ، ثم الجواب عن الجميع : إننا لا نعني بالاشتقاق إلا إنها ملاقيةً لمصادرها في اللفظ والمعني 0ا0هـ وسأشرح كلامه في جواب القول الثالث 0



القول الثالث / أن الأسماء كلها غير مشتقة وهو قول المعتزلة وغيرهم وحجتهم كحجة بن العربي وتلميذه 0

والجواب / كما بيَّن بن القيم أن القائلين بالاشتقاق لا يقصدون أنه مأخوذٌ من أصلٍ آخر أي من شيءٍ آخر غير الرب تعالى الله أن يتقدمه شيء إذ هو الأول فليس قبله شيء ، وإنما أرادوا أن الرب عز وجل قد اشتق لنفسه اسماً من صفاته ، وقول بن القيم : إننا لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى 0يريد أن مصدر الاسم أي الذي اشتق منه الاسم يلاقي الاسم في الفظ والمعنى فالعليم مثلاً يلاقي العلم في اللفظ والمعنى وهكذا سائر الأسماء 0

وللمعتزلة شبهةٌ أخرى يظنونها دليلاً وهي القاعدة النحوية أن الاسم ما يدل على معنىً غير مشتق والمشتق لا يكون اسماً عندهم لأن وظيفة الاسم التعيين والاختصاص فيقال سعد ليعين به ويخص من بين سائر الناس ، وأما المشتق من الصفات فليس باسمٍ عندهم كالكريم والرحيم والعليم ونحوها لأنه لا يمكن تعيين شخصٍ واختصاصه بهذا الاسم 0

والجواب / من عدة وجوه :

الأول / أن هذا في حق المخلوق لا في حق الخالق فإن الله جل وعلا أسمائه وصفاته تختص به  لا يماثله ولا يشاركه فيها أحد ، وحينئذٍ يمكن تعيينه بها 0

2-أن أسماء المخلوقين مستعارة فليست أسماؤهم نفس صفاتهم بل قد تكون مغايرةً تماماً فكم من رجلٍ يسمى كريم وهو من أبخل الناس وآخر عادل وهو من أظلم الناس وهكذا ، وأما أسماء الله وصفاته فلا تتغاير فاسمه الكريم وصفته الكرم الذي لا حدود له ، واسمه السميع وصفته السمع الذي لا منتهى له ، وهكذا 0

3-أن المخلوق يتعذر تعيينه بالصفة لكونها مشتركةً فلو قيل يا صاحب اليدين أو الرأس أو القدم لالتفت الناس جميعاً ، ولو قال يا كريم يا رحيم فلا يدرون من يقصد ، وقد يوصف الرجل بصفةٍ ليست فيه أصلاً فيقال حكيم وهو ظالم ويقال عليم وهو من أجهل الناس 0

4-أن أسماء الله وصفاته سواء فاسمه الخالق وصفته الخلق هي فيه قبل أن يخلق الخلق فلم يستفد اسم الخالق بعد خلقه للخلق وهكذا الرازق والسميع والعليم ونحوها ، وأما المخلوق فقد يكتسب الاسم لصفةٍ فيه فيقال الأصبح لجمال وجهه ويقال الكريم بعد أن يذهب جل عمره وهو يكرم الناس ، فتبين أن القاعدة النحوية تنطبق على المخلوق ولا تنطبق على الخالق فتنبه لهذا 0



((  هل يشتق من الصفات أسماء  ))

اختلف أهل العلم في جواز اشتقاق أسماء من الأفعال والصفات الواردة في الكتاب والسنة على ثلاثة أقوال /

الأول / لا يجوز مطلقاً ولا يقبل إلا ما جاء بصورة الاسم لا مشتقاً ولا مضافاً وهو قول بن حزم 0



القول الثاني / الجواز مطلقاً بلا شرطٍ ولا قيد فمتى وجدت صفةٌ أو فعلٌ في الكتاب والسنة جاز أن يشتق منها اسم قال أبو بكر بن العربي : وَاَلَّذِي يُعَضِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَعُلَمَاءَ الْإِسْلَامِ حِينَ عَدَّدُوا الْأَسْمَاءَ ذَكَرُوا الْمُشْتَقَّ وَالْمُضَافَ وَالْمُطْلَقَ فِي مَسَاقٍ وَاحِدٍ إجْرَاءً عَلَى الْأَصْلِ ا0هـ حتى عدَّ من أسماء الله ( الفاعل والحاسب ورابع ثلاثة وسادس خمسة ) وكذلك صنع القرطبي في كتابه الأسنى وذكر ( الممتحن - المبتلي- الفاتن  00الخ )

القول الثالث / الجواز بشروط :

1-أن يكون المشتق منه ثابتٌ في الكتاب والسنة 0

2-أن يدل الاسم المشتق على كمالٍ في ذاته كالهادي والناصر والمنعم ونحوها ، ولا يجوز إذا لم يدل على كمالٍ في ذاته كالمتكلم والنازل والجاي ، أو كان يدل على كمالٍ ونقص كالفاعل والصانع والمريد 0



قال الدكتور محمد التميمي في كتابه معتقد أهل السنة في أسماء الله الحسنى : اختلف العلماء في عدِّ الأسماء الحسنى على أربعة مناهج /

المنهج الأول / المقتصرين على العد الوارد في حديث أبي هريرة وبالأخص طريق الوليد بن مسلم معتقدين صحة الحديث 0

المنهج الثاني / الاقتصار على ما ورد بصورة الاسم دون المشتق والمضاف كابن حزم 0



المنهج الثالث / المتوسعين الذين اشتقوا من كل صفةٍ وفعلٍ اسماً ومنهم ابن عربي المالكي وبن المرتضى اليماني والشرباصي 0



المنهج الرابع / وهم المتوسطين الذين أجازوا أن يشتق من الصفة والفعل اسمٌ بشرط أن لا ينقسم إلى كمالٍ ونقص ومدحٍ وذم كالمتكلم والمريد والصانع والفاعل والنازل والمستوي والضاحك بل لا بد أن يكون مدحاً مطلقاً لا ذم فيه ولا نقص ، وهم غالب العلماء الذين جمعوا الأسماء الحسنى وإن كانت هناك بعض الفروقات بين جمعٍ وآخر ، لكنّها ترجع إلى طبيعة الاستقراء التي سار عليها البعض في جمعهم ، فترى البعض تارةً يرى صحّة الإطلاق في صفة بينما يرى آخرون عدم صحّة الإطلاق فيها.انتهى



وقال الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله بعد أن ذكر الكيد والمكر بالكافرين : وهذه الصفات لا يجوز أن يشتق منها أسماء لله تعالى لأن الأسماء لا تشتق إلا من الصفات التي يمدح بها مطلقاً ، أما هذه ( يريد المكر والكيد والمخادعة ) فقد يمدح فاعلها وقد يذم  (التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية ص191) وهذا يدل على أن الشيخ يرى جواز الاشتقاق من الصفات التي يمدح بها مطلقاً 0



*  *  *











((   المراد بالمطلق والمضاف والمشتق والمزدوج من الأسماء  ))

الاسم المطلق /  هو الاسم الذي ورد بصورة الاسم في الكتاب والسنة نحو ( السميع ، البصير ، العليم ، الرحيم ، الرحمن ، الكريم ، المنان ) ونحو ذلك  0



الاسم المضاف / هو الاسم الذي ورد مضافاً في الكتاب والسنة نحو ( فاطر السماوات والأرض ، بديع السماوات والأرض ، أحكم الحاكمين ، أسرع الحاسبين ، خير الناصرين ) ونحو ذلك 0



الاسم المشتق / هو الذي لم يرد في الكتاب والسنة بصورة الاسم وإنما هو مأخوذٌ بالاشتقاق من الأسماء والصفات والأفعال الموجودة في الكتاب والسنة  نحو ( الباقي ) من قوله تعالى{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (27) سورة الرحمن ( البديع ) من قوله تعالى {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } (117) سورة البقرة ( الساتر والستار ) من قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ومن ستر مسلماً ستره الله ) متفق عليه وهكذا ، وقد تقدم أنه يجوز بشرط كون الاسم المشتق يدل على كمالٍ في ذاته غير دالٍ على نقص ولا منقسمٍ إلى كمالٍ ونقص 0



الاسم المزدوج / هو الاسم الذي إذا اقترن باسمٍ آخر دل على كمال وإذا أفرد لم يدل على كمال أو كان منقسم فيذكر مع قرينه ولا يفرد نحو ( الخافض الرافع ، الضار النافع ، المعطي المانع ، المعز المذل ، المبدي المعيد ، المحيي المميت ) ونحو ذلك 0











 ((   اسم الله الأعظم   ))

قال بن جرير الطبري رحمه الله / كل أسماء الله عظمى وليس فيها اسمٌ خاص يقال إنه الاسم الأعظم 0 وقال بقوله هذا كثيرٌ من المبتدعة كأهل الكلام وغيرهم ، والصحيح أنه قد وردت أحاديث تدل على أن لله اسماً أعظم ، فعن بريدة رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد فقال ( لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب ) رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الترغيب والرتهيب حديث رقم ( 1640 ) وعن أنس قال كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ورجلٌ يصلي فقال : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم أسألك فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم ( 2290 ) وقال صلى الله عليه وسلم ( اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث سور من القرآن في البقرة وآل عمران وطه ) رواه بن ماجة والطبراني والحاكم وصححه الألباني انظر حديث رقم (979) في صحيح الجامع.‌ وقال صلى الله عليه وسلم ( اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } وفاتحة آل عمران { الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم } رواه أحمد وأبو داود والترمذي وبن ماجةوحسنه الألباني انظر حديث رقم (980) في صحيح الجامع.‌ونحوها من الأحاديث الثابتة التي تدل على أن لله عز وجل اسماً أعظم ، لكن اختلف العلماء في هذا الاسم الأعظم على أقوالٍ كثيرةٍ منها /

1-أنه ( الحي القيوم ) قاله بن القيم وغيره ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد عليه الكرب يقول ( يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث ) رواه الترمذي والحاكم وحسنه الألباني انظر حديث رقم ( 4777 ) وحديث قم (4791 ) في صحيح الجامع ومترجحٌ أنه لا يدعو في هذا الموقف العصيب إلا باسم الله الأعظم ، ثم إن مدار الأسماء على هذين الإسمين وإليهما ترجع معاني الأسماء الحسنى ، ( فالحي ) يستلزم جميع صفات الكمال حتى تكون الحياةً لائقةً بالله تعالى وكماله وعظمته فالحياة التي يتخلف عنها شيءٌ من الكمال هي حياةٌ ناقصة ينزه الله تعالى عنها فجُمِعت جميع الصفات في هذا الاسم ، ومثله القيوم فإن معناها القائم بنفسه المقيم لغيره ولا يكون كذلك حتى تجتمع فيه جميع صفات الكمال ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث سور من القرآن في البقرة وآل عمران وطه ) رواه بن ماجة والطبراني والحاكم وصححه الألباني انظر حديث رقم (979) في صحيح الجامع.‌  قال بن القيم :  ففي البقرة في آية الكرسي {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 000} (255) سورة البقرة وفي آل عمران في قوله تعالى{اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (2) سورة آل عمران وفي طه في قوله تعالى {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ } (111) سورة طـه اهـ وقد ردَّ عليه بأن حديث ( اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد ....) لم يرد فيه لفظ الحي القيوم ، وقد قال الطحاوي الآية التي في سورة طه هي قوله تعالى {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى} (8) سورة طـه



2-أنه لفظ الجلالة ( الله ) ودليلهم أن الأسماء جميعها تعطف عليه ولا يعطف عليها نحو{اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 000} (255) سورة البقرة  (( بسم الله الرحمن الرحيم )) ولذا قال تعالى{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } (180) سورة الأعراف فعطفها عليه ، ولأنه موجودٌ في جميع الأحاديث التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن فيها اسم الله الأعظم 0



3- أنها ثلاثة أسماءٍ ترجع إليها جميع الأسماء وهي ( الله ، الرب ، الرحمن ) فاسم الله متضمن لجميع صفات الألوهية ، والرب متضمنٌ لجميع صفات الربوبية ، والرحمن معناه رحمن الدنيا والآخرة فلا بد أن تجتمع فيه كل صفات الكمال ، فتكون هي الاسم الأعظم



4-أنه راجعٌ إلى حال الداعي وكمال تضرعه بأسماء الله لأن الأحاديث ليس فيها نصٌ على اسمٍ معين والله اعلم 0 وهناك أقوال أخرى لكن ما ذكرناه أقوى وأشهر 0



((   فائدة تذييل الآيات بالأسماء الحسنى   ))



1-للدلالة على ارتباط الشرع والخلق بالأسماء الحسنى فمثلاً قوله تعالى  {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (110) سورة النساء دلالةٌ على ارتباط الشرع بالأسماء الحسنى فإنه ربط الاستغفار الذي شرعه عند ظلم النفس باسمه الغفور الرحيم ، ومثل قوله تعالى {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} (81) سورة يــس فذكر قدرته على خلق السماوات والأرض والناس وربطه باسمه الخلاق العليم بخلقه  0



2-ليقتدي عباده به جل وعلا في نحو قوله تعالى { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} (60) سورة الحـج  فأرشده إلى العفو والمغفرة اقتداءً به جل وعلا 0



3-للدلالة على أن الحكم المذكور في الآية يدل عليه الاسم كقوله تعالى {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (34) سورة المائدة أي قد أسقط حقه عنهم وتبقى حقوق الآدميين والأولى بهم الاقتداء بربهم عز وجل ولهم حق القصاص دون الحدود  قال القرطبي : فأمَّا الشرَّاب والزناة والسرَّاق إذا تابوا وأصلحوا وعرف ذلك منهم ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدهم ، وإن رفعوا إليه فقالوا تبنا لم يتركوا ، وهم في هذه الحال كالمحاربين إذا غلبوا والله أعلم . ( الجامع لأحكام القران عند تفسيره لهذه الآية )



4-لبيان أن هذا الاسم هو المناسب لهذا الدعاء كقول الخليل وابنه عليهما السلام{وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (128) سورة البقرة وأما قول عيسى عليه السلام {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (118) سورة المائدة فلم يكن عيسى عليه السلام ليدافع عن الكفرة الظلمة وإنما أراد أن يمدح ربه جل وعلا فقال : إن تعذبهم فذلك لعدلك بهم فإنما خلقتهم لعبادتك ولم يقوموا بها ، وإن تغفر لهم فليس ذلك عن عجزٍ منك بهم بل أنت القادر العزيز الحكيم في أفعالك كلها 0



5-قد تختم الآيات باسمين مختلفين كقوله تعالى (( وإن ربك لهو العزيز الرحيم )) عقب قصص الأنبياء ليدل ذلك على أنه بعزته تعالى انتقم من الكافرين وأهلكهم وبرحمته نصر المؤمنين ونجاهم 0



6-قد يناسب الإسم المذكور في نهاية الآية أحد المواضيع المذكورة في الآية مما يدل على أهميته وأنه المقدم كقوله تعالى (( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم )) فدلَّ على أن رحمته قد سبقت غضبه 0



7-لبيان إعجاز القران وتناسب كلماته وحروفه وأن كل كلمةٍ وحرف هي في موضعها اللائق ولو غيِّرت وأتي بما يرادفها لم يستقم الكلام فقوله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (38) سورة المائدة قرأ أحدهم آخرها ( والله غفور رحيم ) فسمعه أعرابيٌ فقال ليس هذا من كلام الله فقال القارئ له وهل تحفظ القران قال لا قال  هل تعرف هذه الآية قال لا ولكن ليس هذا من كلام الله ففتح القارئ المصحف ليريه الآية فوجد آخرها ( والله عزيزٌ حكيم ) قال الأعرابي : نعم هذا كلام الله فتعجب القارئ وقال ما يدريك وأنت لا تحفظ الآية ؟ قال : لأنه عز فحكم فقطع ولو غفر ورحم لما قطع 0 فانظر إلى مناسبة ذكر هذين الاسمين في آخر الآية 0



((  ثمرات وفوائد الإيمان بالأسماء الحسنى   ))



1-تحقيق التوحيد فمن عرف أسماء الله الحسنى ووعى معانيها وعمل بمقتضاها فقد حقق كمال التوحيد 0



2-زيادة الإيمان فإن العبد إذا عرف ربه حق المعرفة زاده ذلك تعظيماً وتقديساً لربه جل وعلا فيزداد إيمانه كما قال تعالى { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } (28) سورة فاطر 0



3-معرفة سنن الله وأحكامه من خلال أسمائه وصفاته فعن عائشة رضي الله عنها أن خديجة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لمَّا جاءها يرجف خوفاً مما رآه بالغبار في أول الوحي ( كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ) متفق عليه  وهذا استدلالٌ منها بأن الله تعالى وهو الكريم المتعالي لا يمكن أن يخزي صاحب الكرم والأخلاق الفاضلة لأن الكريم قد يعفو عن المسيء فكيف بالمحسن لا يمكن أن يقابله على إحسانه بإساءة حاشا وكلا ولذا من كان صائماً قائماً صادقاً في نيته مع الله تعالى فإن الله تعالى لا يرده إلى الضلالة ، ومن اعتقد أن الله يعامله بالنكران ويجازيه على الإحسان بالإساءة فقد ظن بربه ظن السوء والعياذ بالله ، فلينتبه لهذا ولا يفسر قول النبي صلى الله عليه وسلم ( فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ) بأن السوء جاء من جهة الرب ، حاشا وكلا بل من جهة العبد حين علم الله سوء نيته فيما تقدم من عمله فخذله في آخر عمره 0 وقد ورد في رواية ( ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يرى للناس ) فيحمل المطلق على المقيد 0



 ((  حكم التسمي بعبد المعبود وعبد الموجود ونحوهما  ))

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :

القول الأول / لا يجوز التعبيد إلا لاسم قد ثبت في نصوص الكتاب والسنة أنه من أسماء الله والمعبود والموجود ليسا من أسماء الله لكن يخبر عن الله تعالى بأنه معبود وبأنه موجود وباب الخبر عند أهل العلم أوسع من باب الوصف فيخبر عن الله تعالى بأنه معبود وموجود وأنه صانع العالم ونحو ذلك مما هو حقٌ في باب الخبر لا كن لا يسمى الله بذلك فلا يقال من أسماء الله المعبود والموجود والصانع ونحوها وحينئذٍ لا يجوز التعبيد بها 0

القول الثاني / يجوز فيقال عبد الستار وعبد الباقي وعبد رب الرسول ونحوها إذ ليس فيها تعبيدٌ لغير الله ومراد المتسمي التعبيد لله لا لغيره وقد جاز الإخبار عن الله بها وليس فيها تنقصٌ للرب جل وعلا فيجوز الاشتقاق منها ، ورجح هذا القول الشيخ بن باز وعبد الكريم العقل وهو أظهر لما تقدم من جواز اشتقاق أسماء للرب جل وعلا من صفاته وأفعاله 0

تنبيه / ما لا يصلح اسماً لا مطلقاً ولا مضافاً ولا مشتقاً فلا يصح التعبيد له بها مثل ( الدهر والمسعر ) ونحوهما لأنه قد ورد بيان معناهما وأنهما لا يراد بهما الإخبار عن الله وإنما عن أقدار الله وأوامره قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ( يؤذيني بن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ) متفق عليه فبيَّن أن المراد بالدهر تقليبه وتصريفه فَيُخْبر عن الله أنه يقلب ويصرف الدهر ، وكذلك المسعر لأن الله عز وجل هو الذي يقلب ويصرف الأسعار بين زيادةٍ ونقصان ، فلا يقال ( عبد الدهر وعبد المسعر ) وإنما يقال ( عبد رب الدهر وعبد مقلب الليل والنهار ) ولا يصح ( عبد المقلب ) وهكذا المسعر  وكذلك لا يخبر عن الله بأنه ( الجلال ) فلا يقال عبد الجلال لأن الجلال لا يصلح اسماً لله ولا يصح أن يخبر عن الله أنه الجلال بمفرده لأن الجلال معناه العظمة والله جل وعلا ذو العظمة فلا يصح أن يقال عبد العظمة وإنما عبد ذي العظمة فكذلك الجلال لا يقال عبد الجلال وإنما عبد ذي الجلال لأن من أسماء الله المضافة ( ذي الجلال وذو الجلال ) 0

((   حكم التعبيد لغير الله مثل عبد النبي وعبد الحسين وعبد الكعبة وغيرها ))

التعبيد لغير الله لا يجوز لأن العباد عباد لله وحده ثم إن كان المقصود التعبيد الحقيقي- تعبيد العبودية- فهو كفرٌ مخرجٌ من الملة ، وإن أراد الخدمة ونحوها كالتبرك فهو أصغر ، قال الشيخ خالد السبت : الأسماء المختلف فيها كعبد الهادي وغيره مما فيه شبهة فلا يقال لمن تسمى به أنه مشرك ، وأما المتفق عليه أنه ليس من أسماء الله كالحارث فالتعبيد به شركٌ أكبر أو أصغر بحسب ما يقع في نفس المتسمي فإن أراد العبودية المطلقة فهو شركٌ أكبر وإن أراد الخدمة ونحوها فهو أصغر اهـ0 ( سمعته منه أثناء إلقاءه دروسه في الأسماء الحسنى ) 0

*  *  *

((  حكم التسمي بهذه الأسماء ))

( جار الله ، ضيف الله ، غرم الله ، صفي الرحمن ، عاشق الرحمن ، محب الرحمن ، عبد الجلال ، دحمي ودحوم تصغير عبد الرحمن وعزيز وعزوز  تصغير عبد العزيز ) ونحوها

جار الله إن كان من الإجارة أي أستجير بالله فهو جائز ، وإن كان من الجوار فإنه لا يدري هل يكون من أهل الجنة في جوار الرحمن أم لا فيكون فيه تزكيةٌ للنفس وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم الأسماء التي فيها تزكية نفس كبرة وغيرها ومثله صفي الرحمن وإن كان المسلم مصطفىً لأن يكون من حزب الله لكن التزكية لا تنبغي لأنها قد تأتي بالعجب والغرور ومثله أيضاً ملاك فكأنه يقول صاحب الاسم أصبح كالملائكة لا يذنب وهو دائم الطاعة وهذا تزكية ، وأما ضيف الله فيصح لأنه يعيش بنعم الله فهو ضيفٌ لله بهذه النية  وأما غرم الله فما يدرى ما يراد به إن أراد أنه قد أحب الله تعالى إلى درجة الغرام فهو وإن كان يمكن أن يقبل من نظر المسلم لكن فيه سوء أدبٍ في الألفاظ لأنها ألفاظ الفساق ونحوهم ومثله عاشق الله  فينبغي أن يلتزم بالألفاظ الشرعية كمحب الرحمن أو نحوه ، وإن أراد معنى آخر فينظر هل يتوافق مع أحكام الشرع فيقبل أو لا فيرد ، وأما تصغير الأسماء كدحمى وعزيز ونحوها فجائزة كما قال الشيخ بن باز لأن الناس لا يريدون تصغير لفظ ذي الجلالة وإنما تصغير الشخص نفسه 0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق